عليه وحده كما قال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] وهاهنا بيّن له مقدار ما يقوم فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) قال ابن عباس والضحاك والسدي (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) يعني يا أيها النائم. وقال قتادة : المزمل في ثيابه. وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة ، وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قال : يا محمد زملت القرآن وقوله تعالى : (نِصْفَهُ) بدل من الليل (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل لا حرج عليك في ذلك.
وقوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت عائشة رضي الله عنها : كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وفي صحيح البخاري (١) عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : كانت مدا ثم قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يمد بسم الله ويمد الرّحمن ويمد الرّحيم.
وقال ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : كان يقطع قراءته آية آية (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ١ ـ ٤] (٢) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الرّحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يقال لقارئ القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (٤) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سفيان الثوري به ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة كما جاء في الحديث زينوا القرآن بأصواتكم (٥) و «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (٦) و «لقد أوتي
__________________
(١) كتاب فضائل القرآن باب ٢٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الحروف باب ١ ، والترمذي في ثواب القرآن باب ٢٣ ، وأحمد في المسند ٦ / ٣٠٢.
(٣) المسند ٢ / ١٩٢.
(٤) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢٠ ، والترمذي في ثواب القرآن باب ١٨.
(٥) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٥٢ ، وأبو داود في الوتر باب ٢٠ ، والنسائي في الافتتاح باب ٨٣ ، وابن ماجة في الإقامة باب ١٧٦ ، والدارمي في فضائل القرآن باب ٣٤ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٤.
(٦) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٤٤ ، وأبو داود في الوتر باب ٢٠ ، والدارمي في الصلاة باب ١٧١ ، وفضائل القرآن باب ٣٤ ، وأحمد في المسند ١ / ١٧٢ ، ١٧٥ ، ١٧٩.