هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه وهذا مرسل ، الجران هو باطن العنق ، واختار ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معا ، كما قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين.
وقوله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) قال أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : نشأ ، قام بالحبشة ، وقال عمر وابن عباس وابن الزبير : الليل كله ناشئة ، وكذا قال مجاهد وغير واحد ، يقال نشأ إذا قام من الليل وفي رواية عن مجاهد : بعد العشاء ، وكذا قال أبو مجلز وقتادة وسالم وأبو حازم ومحمد بن المنكدر : والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته وكل ساعة منه تسمى ناشئة وهي الآنات ، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ، ولهذا قال تعالى : (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار ، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش ، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا الأعمش أن أنس بن مالك قرأ هذه الآية إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا فقال له رجل : إنما نقرؤها (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ، فقال له : إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد.
ولهذا قال تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) قال ابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي مسلم : الفراغ والنوم ، وقال أبو العالية ومجاهد وأبو مالك والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وسفيان الثوري : فراغا طويلا. وقال قتادة : فراغا وبغية ومنقلبا. وقال السدي (سَبْحاً طَوِيلاً) تطوعا كثيرا. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى : (سَبْحاً طَوِيلاً) قال: لحوائجك فأفرغ لدينك الليل ، قال وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ثم إن الله تبارك وتعالى منّ على عباده فخففها ووضعها وقرأ (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) إلى آخر الآية ثم قرأ (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ) ـ حتى بلغ ـ (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) الليل نصفه أو ثلثه ثم جاء أمر أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمته فقال وقال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] وهذا الذي قاله كما قاله.
والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد (١) في مسنده حيث قال : حدثنا يحيى ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى ، عن سعيد بن هشام أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارا له بها ، ويجعله في الكراع والسلاح ثم يجاهد الروم حتى يموت ، فلقي رهطا من قومه فحدثوه أن رهطا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أليس
__________________
(١) المسند ٦ / ٥٤.