وقد روى ابن جرير (١) من طريق العوفي عن ابن عباس (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال : كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه فقال الله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) أن نجمعه لك (وَقُرْآنَهُ) أن نقرئك فلا تنسى ، وقال ابن عباس وعطية العوفي (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) تبيين حلاله وحرامه وكذا قال قتادة.
وقوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أي إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله عزوجل على رسوله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم ، أنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة.
ثم قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أي تراه عيانا كما رواه البخاري رحمهالله تعالى في صحيحه «إنكم سترون ربكم عيانا» (٢). وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عزوجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها ، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين أنا ناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال : «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟» قالوا : لا ، قال : «فإنكم ترون ربكم كذلك» (٣).
وفي الصحيحين عن جرير قال : نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر! فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا» (٤) وفي الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عزوجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» (٥). وفي إفراد مسلم عن صهيب عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة ـ قال ـ يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار! قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة» ثم تلا هذه الآية (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٦) وفي إفراد مسلم عن جابر في حديثه «إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك» (٧) يعني في عرصات القيامة ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عزوجل في العرصات وفي
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٣٣٩.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤.
(٣) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٠٢.
(٤) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٩.
(٥) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٦.
(٦) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩٧.
(٧) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٣١٦.