روضات الجنات ، وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبحر ، حدثنا ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر إلى أزواجه وخدمه ، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله كل يوم مرتين» (٢) ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير قال : سمعت ابن عمر فذكره ، قال : ورواه عبد الملك بن أبحر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ، وكذلك رواه الثوري عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ولم يرفعه ، ولو لا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ، ولكن ذكرنا ذلك مفرقا في مواضع من هذا التفسير وبالله التوفيق.
وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ، وهداة الأنام ، ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد الآلاء وهي النعم كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) قال : تنتظر الثواب من ربها ، رواه ابن جرير (٣) من غير وجه عن مجاهد وكذا قال أبو صالح أيضا فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه ، وأين هو من قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] قال الشافعي رحمهالله تعالى : ما حجب الكفار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عزوجل ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) قال ابن جرير : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا المبارك عن الحسن (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) قال حسنة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) قال : تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
وقوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة ، قال قتادة : كالحة ، وقال السدي : تغير ألوانها ، وقال ابن زيد (باسِرَةٌ) أي عابسة (تَظُنُ) أي تستيقن (أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) قال مجاهد : داهية ، وقال قتادة : شر ، وقال السدي. تستيقن أنها هالكة ، وقال ابن زيد : تظن أن ستدخل النار ، وهذا المقام كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] وكقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس : ٣٨ ـ ٤٢] وكقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً) ـ إلى قوله ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) [الغاشية : ٢ ـ ١٠] في أشباه ذلك من الآيات والسياقات.
__________________
(١) المسند ٢ / ١٣.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٧٥ ، باب ٢.
(٣) تفسير الطبري ١٢ / ٣٤٣.