وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي ، قال وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي ، ثم قل : باسم الله رب الغلام فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال : باسم الله رب الغلام ، فوقع السهم في صدغه ، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام. فقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك قد آمن الناس كلهم ، فأمر بأفواه السكك ، فخدت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران ، وقال : من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها ، قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون فجاءت امرأة بابن لها ترضعه ، فكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الصبي : اصبري يا أماه فإنك على الحق».
وهكذا رواه مسلم (١) في آخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به نحوه ، ورواه النسائي عن أحمد بن سلمان عن عفان عن حماد بن سلمة ومن طريق حماد بن زيد كلاهما عن ثابت به واختصروا أوله ، وقد جوده الإمام أبو عيسى الترمذي فرواه في تفسير هذه السورة عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد ـ المعنى واحد ـ قالا : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلى العصر همس والهمس في بعض قولهم تحريك شفتيه كأنه يتكلم فقيل له إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست ، قال : «إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال : من يقوم لهؤلاء. فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم ، وبين أن أسلط عليهم عدوهم ، فاختاروا النقمة ، فسلط الله عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا» قال : وكان إذا حدث بهذا الحديث ، حدث بهذا الحديث الآخر قال : كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يتكهن له ، فقال الكاهن : انظروا لي غلاما فهما أو قال : فطنا لقنا فأعلمه علمي هذا ، فذكر القصة بتمامها ، وقال في آخره : يقول الله عزوجل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) ـ حتى بلغ ـ (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
قال : فأما الغلام فإنه دفن ، فيذكر أنه أخرج في زمان عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل (٢) ، ثم قال الترمذي : حسن غريب ، وهذا السياق ليس فيه صراحة ، أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي ، فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى والله أعلم.
__________________
(١) كتاب الزهد حديث ٧٣.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٨٥ ، باب ٢.