وقد أورد محمد بن إسحاق بن يسار هذه القصة في السيرة (١) بسياق آخر فيها مخالفة لما تقدم فقال : حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ـ ونجران هي القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد ـ ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ، فلما نزلها فيمون ولم يسموه لي بالاسم الذي سماه ابن منبه ، قالوا : نزلها رجل فابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي فيها الساحر ، وجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر.
فبعث الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران ، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من عبادته وصلاته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده ، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلمه فكتمه إياه وقال له : يا ابن أخي إنك لن تحمله أخشى ضعفك عنه ، والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان ، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه ، وتخوف ضعفه فيه عمد إلى أقداح فجمعها ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح لكل اسم قدح ، حتى إذا حصاها أوقد نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء ، فأخذه ، ثم أتى به صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم الذي قد كتمه ، فقال : وما هو؟ قال : هو كذا وكذا ، قال : وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع فقال أي ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل.
فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال له : يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني ، وأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول نعم ، فيوحد الله ويسلم ، فيدعو الله له ، فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه ، فاتبعه على أمره ودعا له ، فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال له : أفسدت علي أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي لأمثلن بك ، قال : لا تقدر على ذلك ، قال : فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ما به بأس ، وجعل يبعث به إلى مياه نجران بحور لا يلقى فيها شيء إلا هلك فيلقى به فيها ، فيخرج ليس به بأس ، فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر : إنك والله لا تقدر على قتلي حتى تؤمن بما آمنت به وتوحد الله ، فإنك إن فعلت سلطت علي فقتلتني ، قال : فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ، وهلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٣٤ ، ٣٦.