البصرة ، وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف ، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث ، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد ، وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه والله أعلم ، ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر.
وقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) قال العوفي عن ابن عباس : أي إذا ذهب ، وقال عبد الله بن الزبير (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) حتى يذهب بعضه بعضا ، وقال مجاهد وأبو العالية وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) إذا سار ، وهذا يمكن حمله على ما قال ابن عباس أي ذهب ، ويحتمل أن يكون المراد إذا سار أي أقبل ، وقد يقال إن هذا أنسب لأنه في مقابلة قوله : (وَالْفَجْرِ) فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) على إقباله كان قسما بإقبال الليل وإدبار النهار وبالعكس كقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير : ١٧ ـ ١٨] وكذا قال الضحاك (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) أي يجري ، وقال عكرمة (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) يعني ليلة جمع ليلة المزدلفة. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عامر حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) قال : أسر يا سار ولا تبيتن إلا بجمع ، وقوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي لذي عقل ولب ودين وحجا ، وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ، ومنه حجر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي ، ومنه حجر اليمامة ، وحجر الحاكم على فلان إذا منعه التصرف (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢] كل هذا من قبيل واحد ، ومعنى متقارب ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها إليه عباده المتقون المطيعون له ، الخائفون منه المتواضعون لديه الخاضعون لوجهه الكريم.
ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعته مكذبين لرسله جاحدين لكتبه ، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبرا فقال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) وهؤلاء عاد الأولى وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، قاله ابن إسحاق ، وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليهالسلام فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) [الحاقة : ٧ ـ ١٠] وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ليعتبر بمصرعهم المؤمنون ، فقوله تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) عطف بيان زيادة تعريف بهم.