قال خصيف عن مجاهد عن ابن عباس : أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقا ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أوسا ظاهر مني ، وإنا إن افترقنا هلكنا وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته ، وهي تشكو ذلك وتبكي ولم يكن جاء في ذلك شيء ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أتقدر على رقبة تعتقها» قال : لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها. قال : فجمع له رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أعتق عنه ثم راجع أهله ، رواه ابن جرير (١) ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه والله أعلم. فقوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) أصل الظهار مشتق من الظهر ، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها : أنت علي كظهر أمي ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسا على الظهر ، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقا فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم ، هكذا قال غير واحد من السلف.
قال ابن جرير (٢) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس ، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة ، فظاهر منها فأسقط في يديه ، وقال ما أراك إلا قد حرمت علي وقالت له مثل ذلك ، قال : فانطلقي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فقال : «يا خويلة» ما أمرنا في أمرك بشيء ، فأنزل الله على رسوله فقال : «يا خويلة أبشري» قالت : خيرا ـ فقرأ عليها (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) قالت : وأي رقبة لنا والله ما يجد رقبة غيري قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) قالت : والله لو لا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره قال : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) قالت : من أين ما هي إلا أكلة إلي مثلها ، قال : فدعا بشطر وسق ثلاثين صاعا والوسق ستون صاعا فقال : ليطعم ستين مسكينا وليراجعك وهذا إسناد قوي وسياق غريب ، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرّحمن الهروي ، حدثنا علي بن العاصم عن داود بن أبي هند عن أبي العالية قال : كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار ، وكان ضرير البصر فقيرا سيئ الخلق ، وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد رجل أن يطلق امرأته قال :
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٧.
(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٤.