أنت علي كظهر أمي ، وكان لها منه عيل أو عيلان فنازعته يوما في شيء فقال : أنت علي كظهر أمي ، فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في بيت عائشة ، وعائشة تغسل شق رأسه فقدمت عليه ومعها عيلها ، فقالت : يا رسول الله إن زوجي ضرير البصر فقير لا شيء له سيئ الخلق ، وإني نازعته في شيء ، فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق ، ولي منه عيل أو عيلان فقال : «ما أعلمك إلا قد حرمت عليه».
فقالت : أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي ، قالت : ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الآخر ، فدارت معها فقالت : يا رسول الله زوجي ضرير البصر فقير سيئ الخلق وإن لي منه عيلا أو عيلان وإني نازعته في شيء فغضب وقال : أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق ، قالت : فرفع إلي رأسه وقال : «ما أعلمك إلا قد حرمت عليه» فقالت : أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي قال : ورأت عائشة وجه النبي صلىاللهعليهوسلم تغير ، فقالت لها : وراءك وراءك فتنحت ، فمكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله ، فلما انقطع الوحي قال : يا عائشة أين المرأة فدعتها ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اذهبي فأتيني بزوجك» فانطلقت تسعى ، فجاءت به فإذا هو كما قالت ضرير البصر فقير سيئ الخلق.
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أستعيذ بالله السميع العليم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) ـ إلى قوله ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها» قال لا ، قال : «أفلا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال : والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد يعشو بصري. قال : «أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟» قال : لا ، إلا أن تعينني. قال : فأعانه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أطعم ستين مسكينا» قال : وحول الله الطلاق فجعله ظهارا ، ورواه ابن جرير (١) عن ابن المثنى عن عبد الأعلى عن داود سمعت أبا العالية فذكر نحوه بأخصر من هذا السياق ، وقال سعيد بن جبير : كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية ، فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر وجعل في الظهار الكفارة ، رواه ابن أبي حاتم بنحوه ، وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله (مِنْكُمْ) فالخطاب للمؤمنين ، وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، واستدل الجمهور عليه بقوله : (مِنْ نِسائِهِمْ) على أن الأمة لإظهار منها ولا تدخل في هذا الخطاب.
وقوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت علي كأمي أو مثل أمي أو كظهر أمي وما أشبه ذلك ، لا تصير أمه بذلك إنما أمه التي ولدته ، ولهذا قال تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) أي كلاما فاحشا باطلا
__________________
(١) تفسير الطبري ١٢ / ٣.