نصّ كريمة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [٥ / ١] وأزال بها ما عرض لي من الشبهات والشكوك.
وملخّص ذلك أنّ رابطة الإيمان مع الشرع المحمديّ تستحكم إذا وفى المؤمن بكل عهد عاهده في كل من الحضرات والعوالم مع كل من الكائنات ، وعمل بمقتضى تلك العهود وقام بها ؛ وهذا المعنى لا يتحقق إلا بالاختلاط مع أهل الزمان ومقاساة الحوادث في الأزمان.
بلى ـ في ابتداء الحال لما لم يتوجّه من تفرقة الخارج إلى جمعية الداخل وكان منسرحا في عالم الهوى لا خبر له من وجوده ومعرفة نفسه ، يقتضي حكم «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (١) أن يسلك سبيل الترك وينزل في منزل التجريد ؛ ولكن بعد ما وصل إلى مقام الفتوّة والرجوليّة ، يتحتّم عليه الولوج في سوق الاختلاط ، حتّى تصيبه إصابات الحوادث ، وتصل إليه في كل لحظة نائبة من نوائب الدهر. فالواجب عليّ لما وقعت في زمان ودولة قاهرة مريدة لاستحكام قواعد الملك واستمرار الدين الشريف ، أن أكون في حواشيها عونا ، نصرة في ترويج الدين وسياق الامور إلى الصراط المستقيم.
وبعد اللتيا واللتي توجّهت إلى صوب الملك ، ولما وصلت إليه رأيته أكثر مما كنت أسمع وأتصوّر ، ولما تشرّفت بملاقاته قرّبني وكرّمني ، وبعد جلسة أو جلستين من الحديث معه رأيته متوجّها إلى تشييد مباني الدين القويم والشرع المستقيم ؛ وإقامة الصلوات وترويج الجمعة والجماعات ؛ فلعله بحكم (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [٢٩ / ٤٥] يترك بعض ما كان في طباع الناس من المنكر ويهجر.
ولكن بحكم أن كل من اختصّ بعناية ملك من الملوك صار هدفا لسهام غيظ جمع من العفاريت المتشبّهين بالآدميّين ، والجهّال المتلبّسين بلباس أهل العلم ، والمريدين العلوّ والفساد ـ الذين هم موجودون في جميع الحواشي ، منتظرون للوصول إلى هذه المقامات التي لا يتصوّرون فوقها شيئا في هذا الملك والملكوت ـ فعادوني وسعوا فيّ وأرادوا إطفاء نور الله بأفواههم.
__________________
(١) ـ تحف العقول : وصية الإمام الكاظم عليهالسلام لهشام ، ٣٩٥. عنه البحار : ١ / ١٥٠.