لعلَّ تلك الكلمات لم يسمعها كلَّهم ، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها ، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تُحلِّق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام (١).
__________________
(١) بلى إنَّ صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآله لهم من الفضل والدرجة العظيمة التي ليست بخافية على أحد ، بل وكانوا ولازالوا موضع إحترام وتقدير وتبجيل من قبل المسلمين ، والشِّيعة في أوائلهم. ولاغرو في ذلك ، فانّ كتاب الله عزَّ وجل يحذَثنا في أكثر من موضع عن تلك المنزلة السامقة لاؤلئك المؤمنين المجاهدين الذين شادوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وأهل بيته الكرام صرح الاسلام ، وأقاموا أركانه.
قال الله تعالىِ في أواخر سورة الفتح المباركة : ( مُحَمَّد رَسُولُ الله وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينهُمْ تَراهُمْ ركعاً سجداً يَبْتغُونَ فضلاًَ مِنَ الله ِ وَرِضواناً ...).
وكذا ترى ذلك بوضوح عند مراجعتك لاقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، وذلك ما لا ندعيه ولا نتقوّله ... إلّا إنّا لا نتفق مع مَنْ يذهب إلى سريان هذا الامر على جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، دون فحص وتمييز ، وكذا يوافقنا في ذلك كلُّ عاقل منصف مدرك للحقيقة.
فالقرآن الكريم ، والسنَّة النبوية المطهَّرة ، والوقائع التاريخية الثابتة تؤكد صواب ما نذهب اليه ، وبطلان ما ذهب اليه الاخرون ، سواء كانوا من الذين اظفوا هذه الصفة على الجميع ، أو من طعنوا في الجميع دون دليل أو حجة أو برهان سليم ، وإنْ كانت الجماعة الاولى هي الاكثر ، وهي صاحبة الرأي السائد عند اخواننا من أبناء العامَّة ، وهم يُشكلون الطرف الاكثر والاوسع في عموم المسلمين ، قِبال الشِّيعة التي تشكِّل الثقل الاكبر الثاني في المذاهب الاسلامية المختلفة.
واذا كنّا لا نتفق معهم في نسبة العدالة إلى جميع الصحابة دون استثناء ، ودون مناقشة تذكر في صحة نسبة تلك العدالة إلى بعض الجماعات التي ثبت تاريخياً انحرافها عن مفهوم العدالة الاسلامية ، فإن هذا لا يعني أبداً الاتفاق مع الجماعة الاخرى الذاهبة الى الطعن في جميع الصحابة ، لانه رأي تافه وسقيم ولايستحق النقاش ، ولذا فان حديثنا سيكون مع الجماعة الاولى ، والتي تلقي باللوم على الشِّيعة لاعتمادهم اسلوب تقييم الصحابة وفق المنهج السماوي والمقياس الشرعي الذي جاءت به الشريعة الاسلامية المتكاملة والواضحة ، من دون تحزُّب أعمى ، أو تعصُّب مقيت ، وحيث تعضدنا في ذلك المبادئ السليمة التي اعتمدناها في هذا تبني هذا المنهج السليم. فلنتوقف قليلاً ولنتأمَّل فيما نقول.
أقول : ولنبتدأ أوَّلاً بما تقدم منّا من ذكر الاية المباركة السالفة والمثنية على صحابة رسول