وبقي شيعته منضوين تحت جناحه ، ومستنيرين بمصباحه (١) ، ولم
__________________
(١) إنَّ إدراك حقيقة الموقف الذي اتخذه أمير المؤمنين علي عليهالسلام بالتسليم الظاهري لواقع الحال الذي ترتَّب عليه وضع الدولة الاسلامية بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لا يتأتى إلاّ من خلال التأمل الدقيق لمفردات الواقع الذي عايشته تلك الدولة الفتية والغضة أبان تلك الفترة الحسَّاسة والدقيقة من حياتها ووجودها المقدس.
اقول : إنَّ من الثابت الذي سجله معظم المؤرِّخين لتلك الحقبة الغابرة من التأريخ الاسلامي أن أبا بكر وعمر وجماعة من الصحابة حاولوا قسراً وتهديداً اجبار الامام علي عليهالسلام على البيعة لابي بكر أوَّل الامر ، والتنازل عن موقفه المبتني على حقِّه الشرعي في خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حتى بلغ الامر بهم إلى التهديد الصريح باحراق بيته عليهالسلام ، وحيث كانت فيه بضعة الرسول صلىاللهعليهوآله وثلة من الصحابة الذين أعلنوا رفضهم لما ترتِّب عليه الامر في سقيفة بني ساعدة أثناء غَيبة أهل البيت عليهمالسلام وانشغالهم بأمر تغسيل وتكفين رسول الله صلىاللهعليهوآله ، بالشكل الذي ينبغي ان يكون عليه ، لما يمثله من الوداع الاخير لنبي الرحمة صلىاللهعليهوآله ... وإلى حقيقة هذه المحاولة الخطيرة التي لجأ اليها هؤلاء الصحابة أشارت بوضوح الكثير الكثير من المصادر والمراجع التاريخية المختلفة المثبتة لوقائع الايام الاولى لما بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ( راجع : تاريخ الطبري ، الامامة والسياسة لابن قتيبهّ ، أنساب الاشراف للبلاذري ، تاريخ ابن شحنة ، تاريخ ابي الفداء ، شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ، كتاب الملل والنحل للشهرستاني ، مروج الذهب ، العقد الفريد ، كتاب أعلام النساء لابن طيفور ، وغيرها ).
وتحضرني اللحظة جملة أبيات شعرية قرأتُها للشاعر حافظ ابراهيم ، تشير بوضوح الى هذا الامر ، يقول فيها :
وقَولَةٍ لِعَليٍ
قالها عُمَرُ |
|
أكْرِمْ
بِسامِعِها أعْظِمْ بِمُلْقِيها |
حَرقْتُ داركً لا اُبقي
عَليكَ بِها |
|
إنْ لَم تُبايع ،
وَبنتُ المُصطفى فيها!! |
ماكانَ غيرُ أبي
حَفصٍ بِقاثِلِها |
|
أمامَ فارِسِ
عَدنانٍ وَحامِيها!!!. |
بيد أن هذه المحاولة الرهيبة ـ والتي تشكّل سابقة خطيرة في التاريخ الاسلامي ، وغيرها من المحاولات السقيمة ـ لم تكن لتؤدي بالنتيجة المرجوة من قِبَل الحكومة الاسلامية آنذاك لولا الحس العميق ، والادراك الدقيق لجملة النتاثج المترتبة على الوقوف المعارض المعلن أمام ذلك الطرف المستهجن في مسيرة الدولة الاسلامية ـ وما سيتلاقى به مع واقع الحال