يكن للشِّيعة والتشيُع يومئذٍ مجال للظهور ، لأنَّ الاسلام كان يجري على مناهجه القويمة ، حتى إذا تميَّز الحقًّ من الباطل ، وتبيَّن الرشد من الغي ، وامتنع معاوية عن البيعة لعلي عليهالسلام وحاربه في ( صفِّين ) انضم بقية الصحابة إلى علي عليهالسلام حتى قتل أكثرهم تحت رايته (١) ، وكان معه من عظماء أصحاب النبي ثمانون رجلاً ، كلّهم بدريَ عقبي : كعمّار بن ياسر ، وخزيمة ذي الشَّهادتين ، وأبي أيوب الأنصاري ، ونظرائهم.
ثمَّ لما قُتل علي عليهالسلام واستتب الأمر لمعاوية ، وانقضى دور
__________________
وفي احدى خطبه عليهالسلام يقول : « .... فنظرتُ فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فظننتُ بهم على الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرتُ على أخذ الكظم ، وعلى أمَر من طعم العلقم ».
وفى كتابه عليهالسلام إلى أهل مصر يقول : « ... فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان ليبايعوّنه ، فامسكتُ يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام ، يدعون إلى محق دين محمَّد صلىاللهعليهوآله ، فخشيتُ إنْ لم أنصر الاسلام وأهله أنْ أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايَتِكُم ».
وقوله عليهالسلام عند فتنة الجمل : « فوالله ما زلتُ مدفوعاً عن حقِّي ، مُستاثَراً عليَّ منذ قبض الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوآله حتى يوم الناس هذا ».
ويروي هو عليهالسلام حديثاً له مع بعض الصحابة : « وقد قال قائل : إنََّك على هذا الامر يا بن أبي طالب ـ لحريص!
فقلتُ : بل أنتم والله أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنَّما طلبتُ حقَّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه.
فلمّا قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبَّ كأنَّه بُهِتَ لا يدري ما يجيبني به ».
واخيراً اليك أخي القارئ الكريم دعاء أمير المؤمنين عليه السلام وتظلمه ممَّا وقع عليه من قِبَلِ قريش ، فتأمَّل فيه بروية وامعان : « اللَّهَمَّ إنَي أستعديك على قريشِ ، ومن أعانهم ، فإنَّهم قطعوا رحمي ، وصغَّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ».
(١) منهم : عمّار بن ياسر ، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، أبو عمرة الانصاري ، ثابت بن عبيد الانصاري ، عبدالله بن بديل الخزاعي ، أبو الهيثم مالك بن التيهان ، هاشم المرقال ، عبدالرحمن بن بديل الخزاعي ، جندب بن زهير الازدي ، سعد بن الحارث الانصاري.