الخلفاء الراشدين ، سار معاوية بسيرة الجبابرة في المسلمين ، واستبد واستأثر عليهم ، وفعل في شريعة الاسلام ما لا مجال لتعداده في هذا المقام ، ولكن باتفاق المسلمين سار بضد سيرة مَنْ تقدمه من الخلفاء ، وتغلَب على الأُمَّة قهراً عليها ، وكانت أحوال أمير المؤمنين عليهالسلام وأطواره في جميع شؤونه جارية على نواميس الزهد والورع ، وخشونة العيش ، وعدم المخادعة والمداهنة في شيء من أقواله وأفعاله ، وأطوار معاوية كلّها على الضد من ذلك تماماً.
وقضية إعطائه مصر لابن العاص على الغدر والخيانة مشهورة (١) ، وقهر
__________________
(١) روت المصادر التأريخية المختلفة : أنَّ معاوية بن هند لما عزم على الخروج على علي ابن ابي طالب عليهالسلام ، أرسل الى عمرو بن العاص طالباً منه القدوم إليه من مصر ، فشد إليه الرحال حتى قدم عليه في الشام ، فتذاكرا أمر الخروج على علي عليهالسلام وقتاله ، فترادا في القول حتى قال معاوية له : ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا ، ونُلزمه قتل عثمان.
فقال عمرو : واسوأتاه ، إنَ احقَّ الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت!!
فقال معاوية : ولِمَ ويحك؟
فقال : أما انت فخذلته ـ ومعك أهل الشام ـ حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي ، واما أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين!!
فقال معاوية : دعني من هذا ، مُدَّ يدك فبايعني.
قال : لا لعمر الله ، لا اُعطيك ديني حتى آخذ من دنياك!!
فقال معاوية بن هند : لك مصر طعمة.
وهكذا اتفق الفريقان حيث تم لمعاوية ما اراد من شراء دين ابن العاص قبال ثمن زهيد ومتاع قليل ، لم يلبث أنْ خلَّفه من وراءه ليقف أمام محكمة السماء مثقلاً بذنوبه ومعاصيه ، حتى قيل أنه تذكَر ذلك على فراش الموت ـ على ما ترويه كتب التأريخ ـ فقال : ياليتني متُّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، أثرت دنياي وتركت آخرتي ، عُمِّي عليّ رشدي حتى حضرني أجلي.
أنظر : وقعة صفين : ٣٤ ، تأريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ٢|٦١ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٧٢ ، مختصر تأريخ دمشق ١٩ : ٢٤٤ ، العقد الفريد ٤ : ٩٧ و ٥ : ٩٢ ، عيون الاخبار ١ : ٤٣٨.