والواضح من هذا الكلام : أنّ السياسيين في القرون الأولى هم الذين جذّروا هذه القداسة ، كما حصل في تفسيرهم لآية (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) بالحكام في كل زمان ، لتشمل بالمفهوم الواسع للكلمة كل الحكّام الظلمة من بني أمية وبني العباس ، وكان هذا نتيجة للتخطيط السياسي لهؤلاء الحكّام. وأنا لا أتصور أنّ نتيجة هذا الكلام تتلاءم مع طبع المعتقدين بقداسة جميع الصحابة.
٤. البعض يعتقد بقداسة الصحابة بسبب ورود الأوامر في بعض الآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية.
والظاهر أنّ هذا أفضل توجيه ، ولكن عند ما نناقش هذا الدليل يتضح أنّه لا وجود للإطلاق في تلك الآيات أو الروايات على ما يدّعونه ، وأهم آية يتمسكون بها هي : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).
فبعض مفسّري أهل السنّة ذكروا في ذيل الآية رواية عن حميد بن زياد ، أنّه قال : «قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظي ، ألا تخبرني عن أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله فيما كان بينهم ، وأردت الفتن ، فقال لي : إنّ الله تعالى قد غفر لجميعهم ، وأوجب لهم الجنّة في كتابه ، محسنهم ومسيئهم ، قلت له : وفي أي موضع أوجب لهم الجنّة؟ قال : سبحان الله! ألا تقرأ قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ)» (٣).
__________________
(١). سورة النساء ، الآية ٥٩.
(٢). سورة التوبة ، الآية ١٠٠.
(٣). التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٦ ، ص ١٧١.