ثمّ إنّه بقي وجه آخر أو أخير يتمسّك به القائل بعدالة الصحابة ، ـ بالترديد المتقدّم في معنى العدالة وفي دائرة الصحابة المرادة لذلك القائل ـ وهو : إنّ الصحابة هم الّذين قاموا بفتوحات الإسلام ونشر الدين في أرجاء المعمورة ، وهذا بعد ما عانوا ما عانوا مع النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم في الغزوات الأولى.
وهذا الوجه ـ مع غضّ النظر عن التحليل الآتي فيه ، وعن الخوض في حقيقته ـ ما هو المقدار اللازم منه في الحجّيّة المبحوث عنها في عدالة الصحابة ؛ فقد تقدّم أنّ صدور العمل الصالح أو الحسن من شخص ـ بعد افتراض ذلك ـ لا يلازم عدالته واستقامته في كلّ أفعاله الأخرى ، فضلا عن عصمته وإمامته في الدين.
ففي كثير من الغزوات التي قام بها المسلمون في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ارتكب من صحبهصلىاللهعليهوآلهوسلم فيها أعمالا تعدّ في الشرع من الخطايا الكبيرة المغلّظة عقوبتها ، وقد ذكرنا شطرا منها في ما سلف ، ونذكر هنا شطرا آخر منها :
قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) والآية تبيّن أنّ الواجب على المسلمين الإثخان في قتل المشركين ، وعدم
__________________
(١). الأنفال / ٦٧ و ٦٨.