قد سألت فافهم الجواب : إنّ في أيدي الناس حقّا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعامّا وخاصّا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم على عهده حتّى قام خطيبا فقال : أيّها الناس! قد كثرت عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ثمّ كذب عليه من بعده.
وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق ، يظهر الإيمان ، متصنّع بالإسلام ، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمّدا ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب ، لم يقبلوه منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (١) ، ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولّوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلّا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله شيئا ، لم يحمله على وجهه ، ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذبا ، فهو في يده ، يقول به ويعمل به ، فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا أمر به ، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ، ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنّه
__________________
(١). المنافقون / ٤.