الأمر العظيم ـ بأنّه رأى راحلة فلان وفلان ؛ وهذا يفيد أنّ الرهط هم من وجوه المسلمين ، وممّن لحذيفة خلطة قريبة معهم ، وليسوا من الأباعد كي تخفى رواحلهم ودوابّهم على حذيفة.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عند ما طلب منه حذيفة وعمّار قتل الرهط ـ : «إنّي أكره أن يتحدّث الناس ويقولوا أنّ محمّدا وضع يده في أصحابه» ؛ ومنه يتبيّن أنّ الرهط والمجموعة هم ممّن ناصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بحسب الظاهر ، وكانوا ممّن حوله من الخواصّ الّذين لهم علاقة متميزة به أمام مرأى الناس ، ومن الّذين لا يتوقّع الناس معاداتهم له صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل كان الإقدام على قتلهم من قبله صلىاللهعليهوآلهوسلم مستنكرا عند الناس ، وهذا ظاهر في عدم كونهم من أوساط الناس أو من الأباعد.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحذيفة وعمّار لمّا أطلعهم بأسمائهم : «اكتماهم» ؛ فما وجه الأمر بالكتمان لو كان هؤلاء الرهط من أوساط الناس ، ومن حلفاء الأنصار ونحوهم ، كما روى ابن سعد أنّهم لم يكونوا من قريش بل من الأنصار وحلفائهم؟!
لا ريب أنّ علّة الأمر بالكتمان ظاهرة في كون هؤلاء الرهط هم ممّن يحسب على النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم بصحبة خاصّة ، ممّن يؤدّي فضحه وكشفه ـ لا سيّما بمثل هذا الفعل الشنيع المنكر ، الذي هو على أصول الكفر الباطني ـ إلى حدوث بلبلة واضطراب في أوساط الناس وعامّتهم ممّن لا يعرف من الإسلام إلّا رسمه ، ومن الدين إلّا طقوسا ظاهرية ..
فحفاظا منه صلىاللهعليهوآلهوسلم على عدم إثارة الفتنة بين عامّة الناس بذلك ، وعدم تزلزل إسلامهم أمر بالكتمان ؛ ولا سيّما أنّ قوله تعالى في الآية السابقة لهذه الآيات : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١) في تفسير أهل البيت عليهمالسلام ـ كما روى ذلك الطبرسي في مجمع البيان (٢) ، وغيره من مفسّري الإمامية ، وبطرق مسندة عنهم عليهالسلام ـ (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) ، قالوا : لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن
__________________
(١). التوبة (براءة) / ٧٣.
(٢). مجمع البيان ٥ / ٧٧.