يقاتل المنافقين وإنّما كان يتألّفهم ؛ لأنّ المنافقين لا يظهرون الكفر ، وعلم الله تعالى بكفرهم لا يبيح قتلهم إذا كانوا يظهرون الإيمان. فعلى هذا التفسير كان صلىاللهعليهوآلهوسلم مأمورا بأن يستبقيهم ويجاهد بهم الكفار.
ثمّ أنّه من الغريب من ابن سعد أنّه يروي أنّهم ليسوا من قريش ، بل من الأنصار وحلفائهم ، ويروي ـ في الوقت نفسه ـ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يخبر بأسمائهم غير حذيفة ، فكيف نفى كونهم من قريش؟! والغريب منه أيضا نفي كونهم من حلفاء قريش ؛ إذ نسبهم إلى الأنصار وحلفائهم خاصّة.
ولا غرابة في ذلك ؛ فإنّ أصحاب السقيفة لم يواجههم في السقيفة إلّا الأنصار وحلفاؤهم ـ إلّا القليل ـ ولم يعقد البيعة في السقيفة إلّا قريش وحلفائها.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الرواية الأخرى المتقدّمة : «إنّي أكره أن تحدّث العرب بينها أنّ محمّدا قاتل بقوم حتّى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم» ؛ فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وصف هؤلاء الرهط بأنّهم : «قوم قاتل بهم» و : «أظهره الله بهم» ، ولو بنظر عامّة الناس وأذهان العرب ، فهل هذا الوصف ينطبق إلّا على الخواصّ ممّن هاجر من الأوائل معه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بيّن أنّ عامّة أذهان الناس ، التي تنظر إلى مجريات الأحداث بسطحية وتحكم عليها حسب ظواهرها لا حقيقتها ، تستنكر الاقتصاص من هؤلاء الرهط ومعاقبتهم وفضحهم على الملأ ؛ إذ كانوا قد أوجدوا ـ بحسب الظاهر ـ لأنفسهم مكانة واختصاص لدى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أعين الناس ، لدرجة كان يصعب معها كشف زيف هذه الصنيعة ، ولم يكن من الهيّن واليسير بيان الحقيقة لعقول الناس القاصرة ، التي لا تزن الأمور حسب الواقع بل حسب الظواهر.
الثامنة : إنّ هؤلاء الرهط تميّزوا بأنّهم دعا صلىاللهعليهوآلهوسلم عليهم بأن يبتليهم الله تعالى بالدبيلة ، وسيأتي في روايات أخرى كالتي أوردها صحيح مسلم وغيره أنّها تشير إلى تلك الجماعة.