التاسعة : إنّ اقتران حذيفة وعمّار في هذه الواقعة أمر تكرّر في الروايات والنقول التاريخية ، أي اقترنا في معرفة هؤلاء الرهط ، وهذه علامة سيتمّ الاستفادة منها في الموارد الروائية اللاحقة بشأن المنافقين.
والملفت للنظر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا أخبره الوحي بنيّة تلك الجماعة الفتك به لم يستعنصلىاللهعليهوآلهوسلم بأحد من خواصّ أصحابه سوى حذيفة وعمّار وسلمان والمقداد ، فما شأن البقية من الخواصّ؟! لما ذا لم يستأمنهم صلىاللهعليهوآلهوسلم ويأمنهم في الدفاع عنه وحمايته؟! أم أنّ الحال كان على عكس ذلك. وأمّا أبا ذرّ فلم يكن عنده راحلة في غزوة تبوك ، فكان يتأخّر عن جيش الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في سيره ماشيا على قدميه ، كما ذكرت ذلك مصادر السير والتواريخ.
العاشرة : إنّ هذه الواقعة الخطيرة في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومسيرة الدين متّفق على وقوعها في كتب حديث الفريقين وكتب السير والتواريخ ، سواء كانت هي سبب نزول الآيات ، كما هو الأقوى الظاهر ، أم كان السبب للنزول واقعة أخرى.
قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب في ترجمة أبي موسى الأشعري ، عبد الله بن قيس بن سليم ، أنّه :
ولّاه عمر البصرة في حين عزل المغيرة عنها ، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان ، فعزله عثمان عنها وولّاها عبد الله بن عامر بن كريز ، فنزل أبو موسى حينئذ بالكوفة وسكنها ، فلمّا دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ولّوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولّيه ، فأقرّه عثمان على الكوفة إلى أن مات. وعزله عليّ رضى الله عنه عنها فلم يزل واجدا منها على عليّ حتّى جاء منه ما قال حذيفة ؛ فقد روي فيه لحذيفة كلام كرهت ذكره والله يغفر له. ثمّ كان من أمره يوم الحكمين ما كان (١).
__________________
(١). الاستيعاب ـ في ذيل الإصابة ـ ٢ / ٣٧٢.