قال ابن أبي الحديد في شرح النهج البلاغة :
قلت : الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البرّ ولم يذكره ، قوله فيه ـ وقد ذكر عنده ، أي عند حذيفة ، بالدين ـ أمّا أنتم فتقولون ذلك ، وأمّا أنا فأشهد أنّه عدوّ لله ولرسوله وحرب لهما ، في الدنيا (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (١). وكان حذيفة عارفا بالمنافقين ، أسرّ إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرهم وأعلمه أسماءهم. وروي أنّ عمّارا سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما ، سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود. ثمّ كلح كلوحا علمت منه أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.
وروي عن سويد بن غفلة ، قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان ، فروى لي خبرا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : سمعته يقول : إنّ بني إسرائيل اختلفوا ، فلم يزل الاختلاف بينهم ، حتّى بعثوا حكمين ضالّين ضلّا وأضلّا من اتّبعهما ، ولا ينفكّ أمر أمّتي حتّى يبعثوا حكمين يضلان ويضلّان. فقلت له : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما! قال : فخلع قميصه ، وقال : أبرأ إلى الله من ذلك ، كما أبرأ من قميصي هذا».
ثمّ ذكر ما قاله أبو محمّد بن متّويه في كتاب الكفاية : «أمّا أبو موسى فإنّه عظم جرمه بما فعله ، وأدّى ذلك إلى الضرر الذي لم يخف حاله ، وكان عليّ عليهالسلام يقنت عليه وعلى غيره فيقول : اللهمّ العن معاوية أوّلا وعمرا ثانيا وأبا الأعور السلمي ثالثا وأبا موسى الأشعري رابعا. وروي عنه عليهالسلام أنّه كان يقول في أبي موسى : صبغ بالعلم صبغا وسلخ منه سلخا (٢).
__________________
(١). غافر / ٥١ و ٥٢.
(٢). شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٣ / ٣١٤ ـ ٣١٥.