واختلطوا بالعسكرين ، وأقاموا الحرب خوفا من القصاص ؛ وقصد عائشة لم يكن إلّا إصلاح الطائفتين ، وتسكين الفتنة ، فوقعت في الحرب.
وما ذهب إليه الشيعة من أنّ محاربي عليّ كفرة ، ومخالفوه فسقة ، تمسّكا بقولهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «حربك يا عليّ حربي» ، وبأنّ الطاعة واجبة ، وترك الواجب فسق ، فمن اجتراءاتهم وجهالتهم ، حيث لم يفرّقوا بين ما يكون بتأويل واجتهاد ، وبين ما لا يكون. نعم ، لو قلنا بكفر الخوارج بناء على تكفيرهم عليّا رضى الله عنه لم يبعد ، لكنّه بحث آخر.
فإن قيل : لا كلام في أنّ عليّا أعلم وأفضل ، وفي باب الاجتهاد أكمل. لكن من أين لكم أنّ اجتهاده في هذه المسألة ، وحكمه بعدم القصاص على الباغي ، أو باشتراط زوال المنعة ، صواب ؛ واجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ؛ ليصحّ له مقاتلتهم؟! وهل هذا إلّا كما إذا خرج طائفة على الإمام ، وطلبوا منه الاقتصاص ممّن قتل مسلما بالمثقل؟!
قلنا : ليس قطعنا بخطئهم في الاجتهاد عائدا إلى حكم المسألة نفسه ، بل إلى اعتقادهم أنّ عليّا رضى الله عنه يعرف القتلة بأعيانهم ، ويقدر على الاقتصاص منهم ... وبهذا يظهر فساد ما ذهب إليه عمرو بن عبيدة وواصل بن عطاء ، من أنّ المصيب إحدى الطائفتين ولا نعلمه على التعيين. وكذا ما ذهب إليه البعض ، من أنّ كلتا الطائفتين على الصواب بناء على تصويب كلّ مجتهد ؛ وذلك لأنّ الخلاف إنّما هو فيما إذا كان كلّ منهما مجتهدا في الدين على الشرائط المذكورة في الاجتهاد ، لا في كلّ من يتخيّل شبهة واهية ، ويتأوّل تأويلا فاسدا. ولهذا ذهب الأكثرون إلى أنّ أوّل من بغى في الإسلام معاوية ؛ لأنّ قتلة عثمان لم يكونوا بغاة ، بل ظلمة وعتاة ؛ لعدم الاعتداد بشبهتهم ، ولأنّهم