وفي رواية ابن أبي شيبة : (إنّ أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول : اللهمّ لا تدركني سنة ستّين ولا إمارة الصبيان) ، وفي هذا إشارة إلى أنّ أوّل الأغيلمة كان في سنة ستّين ، وهو كذلك ؛ فإنّ يزيد بن معاوية استخلف فيها.
إلى أن قال : ـ تنبيه : يتعجّب من لعن مروان الظلمة المذكورين مع أنّ الظاهر أنّهم من ولده ، فكأنّ الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشدّ في الحجّة عليهم لعلّهم يتّعظون. وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد ، أخرجها الطبراني وغيره ، غالبها فيه مقال ، وبعضها جيّد (١).
وكذا ما رواه البخاري في الباب الثاني من كتاب الفتن ـ وعنونه : باب قول النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم : «سترون بعدي أمورا تنكرونها» ـ : «وقال عبد الله بن زيد ، قال النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم : اصبروا حتّى تلقوني على الحوض»!!
ثمّ روى البخاري أحاديث في الباب تدعو إلى السكوت عن سلاطين الجور والإطاعة لهم ، وهي أشبه بنصوص السلطة من النصوص النبوية. قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢). وقال تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) (٣).
وقال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٤).
وبمثل هذه الملحمة القرآنية والإسرار النبوي ما رواه البخاري أيضا في كتاب الفتن : الباب الأوّل والرابع من اقتراب الفتن بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإحداث أصحابه بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكلّ ذلك خارج مخرج التحذير والإنذار .. (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٥).
__________________
(١). فتح الباري ١٣ / ١٠ ـ ١١.
(٢). التوبة (البراءة) / ٧١.
(٣). التوبة (البراءة) / ٦٧.
(٤). هود / ١١٣.
(٥). القمر / ٥.