ذلك لا يعدو الأحكام بحسب ظاهر الإسلام في النشأة الدنيوية ، إلّا أنّها مفترقة بحسب واقع الإسلام والإيمان الذي به النجاة الأخروية ؛ فهناك ديانة بحسب إقرار اللسان تترتّب عليها أحكام المواطنة في النظام الاجتماعي السياسي ، وهناك ديانة بحسب القلب والأعمال تترتّب عليها أحكام الآخرة من النجاة من النار وإعطاء الثواب.
وهذه الأمور المستفادة من الحديث الشريف المتواتر إنّما هي بلحاظ الإنسان البالغ العاقل المكلّف ، الذي قد اجتمعت فيه شرائط التكليف ، أمّا الصبي والمجنون والجاهل القاصر أو المعتوه أو الأبله وحديث العهد بالإسلام ونحوهم ممّن لم تقم عليه الحجّة وتتمّ شرائط التكليف لديه ، فهم معذورون ، وعاقبة المعذور ـ كما سيأتي ـ موقوفة على المشيئة الإلهية الأخروية ، التي فسّرت في الروايات بإقامة امتحان إلهي له يوم القيامة إن أطاع فيه نجا وإن عصى هلك.
وقد أطلق على أفراد المعذور في الكتاب والسنّة عدّة تسميات ، ك (الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (١) ، و (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (٢) ، و (أَصْحابُ الْأَعْرافِ) (٣) ، والّذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٤) ، و (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) (٥) ، وأطلق عليهم أيضا : «الضّلال» ، بمعنى : الضالّ «القاصر» ؛ إذ هذا أحد معانيه ، وإلّا فهو يطلق على «المقصّر» المخلّد في النار أيضا ..
لذلك لا مفرّ لهذا الإنسان ـ المكلّف المختار ـ ولا مخلص ولا نجاة له إلّا بالفحص عن الفرقة الناجية من فرق المسلمين ، وليس له أن يتعامى عن عمد ويسلك طريق الضلال والغواية ويرجو مع ذلك النجاة ، كما أنّ البحث الجادّ بين فرق المسلمين في إطار الوحدة لا بدّ أن يتحرّى فيه ـ بمقتضى الحديث الشريف والتوصية النبوية ـ عن الحقّ الذي
__________________
(١). النساء / ٩٨.
(٢). التوبة / ١٠٦.
(٣). الأعراف / ٤٨.
(٤). التوبة / ١٠٢.
(٥). التوبة / ٦٠.