تبايعني على كتاب الله وسنّة رسول الله وسيرة الشيخين ، فقال : على كتاب الله وسنّة رسول الله وأجتهد برأيي. ثمّ قال مثل ذلك لعثمان فأجابه إلى ما دعاه ، وكرّر عليهما ثلاث مرّات ، فأجابها بالجواب الأوّل ، فبايع عثمان ... وقول عليّ رضى الله عنه : (وأجتهد برأيي) ليس خلافا منه في إمامة الشيخين ، بل ذهابا إلى أنّه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر ، بل عليه اتّباع اجتهاده ، وكان من مذهب عثمان وعبد الرحمن أنّه يجوز إذا كان الآخر أعلم وأبصر بوجوه المقاييس. (١)
لو سلم تأويل التفتازاني لإباء عليّ عليهالسلام لسيرة الشيخين ، وأنّه من باب عدم حجّية اجتهادهما ، إلّا أنّه أسقط حجّية سيرتهما مطلقا ، ولم يحتمل فيها أنّها من باب الرواية لاحتمال اطّلاعهما على قول أو فعل للنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يطّلع عليه غيرهما.
وبعبارة أخرى : مدّعى العامّة في حجّية قولهما وسيرتهما يتردّد لديهم كما قدّمنا بين ذلك ، فالإعراض عن سيرتهما يعني إسقاط لكلّ وجوه الحجّية المدّعاة في سيرة الشيخين ، ولا يفوت الباحث تذكّر امتناع عليّ عليهالسلام عن بيعة أبي بكر مع موقفه يوم الشورى هذا. ثمّ إنّ هذا التوجيه من التفتازاني يناقض ما قدّمنا نقله عنه ، من دخول عليّ عليهالسلام في الخطاب المنسوب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» ، وأنّه مأمور بالاقتداء بهما (٢) ؛ فإذا كان حجّية قولهما من باب الاجتهاد ، فكيف يجعل الأمر بالاقتداء بهما دالّ على إمامتهما للناس؟! بل اللازم أن يكون الأمر المزبور ـ على تقدير صدق النسبة ـ محمول على حجّية فتوى المجتهد ، لا على كونه عهد من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على إمامتهما ؛ وإذا حمله على الإمامة ، فكيف يخالف عليّ عليهالسلام ذلك؟! فيدلّ إسقاطه لحجّية قولهما على وضع هذا الحديث ، وتدليس نسبته إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونحو هذا الحديث بقية الأحاديث المدّعاة من هذا النمط.
__________________
(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٨٨.
(٢). شرح المقاصد ٥ / ٢٩٢.