عن الحميراء (١) ، فوجب الحمل على تقليد المقلّد جمعا بين الأدلّة. كذا في العضد وحاشيته السعدية ، فاندفع ما في الحاشية هنا (٢).
أقول : من البيّن الجلي أنّ حجّية قول الأوّل والثاني ، أو بضميمة الثالث عندهم ـ بحسب هذه المداولة ـ مردّدة في كلماتهم على الاحتمالات الثلاثة السابقة ، وأنّ ما ذكره البناني من عدم الحاجة في الحجّية لاعتبار انتفاء الخطأ ناشئ من الغفلة عن اختلاف سنخ الحجّية بين الإمام المنصوص عليه ، المعصوم من الخطأ ، وأنّ إمامته كعهد من الله ورسوله المشار إليه في قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٣) ، وبين الحجّية لفتوى المجتهد ، التي هي على نمطين عندهم أيضا ... فتارة لا يخطئ وإن كان مدركه ظنّيا ، كما تقدّم نقله قولهم بذلك الذي ذهبوا إليه في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والعياذ بالله ـ وأخرى أنّ المجتهد يخطئ ، وبناء على التخطئة فلا يلزم حجّية قوله مطلقا ، كما أنّها لا تشمل المجتهد الآخر. وإذا انفتح باب الخطأ على الثلاثة فلا عصمة في البين ، ويمكن تطرّق المخالفة العلمية أو العملية للأحكام الواقعية.
كما إنّه على فرض كون أقوالهم من باب الاجتهاد ، فلا بدّ من أن تنضبط بموازين الاجتهاد ، لا أن يكون مطلق إبداء الرأي أمام النصّ اجتهادا بذريعة باب التأويل والتأوّل ، فهناك حدّ فاصل بين الاجتهاد وبين مخالفة الكتاب والسنّة ؛ وبين إبداء الرأي وبين الردّ على الرسول ؛ وبين الاجتهاد على الموازين وإن أخطأ وبين الشقاق مع الله ورسوله.
ثمّ إنّه يعزّز هذا الترديد عند العامّة ما اشترطه عبد الرحمن بن عوف على الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يوم الشورى ، قال التفتازاني :
ثمّ جعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف ، فأخذ بيد عليّ رضى الله عنه وقال :
__________________
(١). مع أن تحريضها على قتل عثمان وخروجها على عليّ عليهالسلام ثابت ومقرّر عندهم.
(٢). تعليق (تقرير) الشربيني على شرح ابن المحلّى على متن جمع الجوامع ٢ / ١٨٠.
(٣). البقرة ١٢٤.