معنى كان من معاني الحجّية بني عليه!
ولتبيين هذا التدافع ، تأمّل الاعتقاد برسالة النبيّ الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم وقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١) فإنّه قد جهد المسلمون جهدهم في استقصاء أفعاله وأقواله ، وسيرته وغزواته ، وحركاته وسكناته ، وصلحه وحربه ، ومودّته مع من ، وعدائه مع من ، ورحمه وأهله وعشيرته وولده وزوجاته ، واحتجاجاته ، وصفاته ، وكلّ صغيرة وكبيرة مرتبطة بوجوده الشريف صلىاللهعليهوآلهوسلم. كلّ ذلك لتقام الحجّة في أقواله وأفعاله ، وتبلغ مسامع المكلّفين ، ويأخذوا بهدي شريعته ، وإلّا فكيف تبلغ الحجّة مع انقطاع الخبر وإبهام الحال؟!
فالحال في حجّية أقوال وأفعال الصحابة وسيرتهم لا بدّ في تحقّقها من دراسة سيرتهم وحياتهم وأقوالهم ، لا سيّما وأنّ ما جرى من الفتن بينهم واقع في المسائل الدينية وما يرتبط بالشرع ، سواء في المسائل الفرعية أو الأصولية المرتبطة بالإمامة والحكم وحفظ الدين وإحراز السنّة النبويّة وتفسير الكتاب ، وبدعية بعض الأفعال من رأس أو ركنيّتها في الدين ، والإقامة على العديد من السنن المقترحة وجعلها معالما للدين.
ولقد كان الاختلاف بينهم والتضليل إلى حدّ المقاتلة ، وهي تعني استباحة كلّ طرف دم الطرف الآخر ، فكلّ طرف يرى الطرف الآخر مقيم على أمر وحال يبيح معه دمه ، فإذا كان زعم العامّة أنّه لا بدّ من ترك الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة ، حفظا لحرمة الصحابة وتعظيما وتجليلا لصحبتهم ، فهذا الخطب أولى الناس بمراعاته ـ في ما بينهم ـ الصحابة أنفسهم ، لا الانتهاء إلى نقيض ذلك من استباحة دم الطرف الآخر ؛ فليس إلّا أنّ الخطب جليل ، أحبط في نظر الطرف الأوّل ما للطرف الآخر من أعمال وسابقة ، وانتفت حرمته إلى استباحة دمه!
فمع كلّ ذلك ، كيف يسوغ لنا الاحتجاج بأقوال وأفعال كلّ من المصيب والخاطئ ،
__________________
(١). الأحزاب / ٢١.