وصله من الكتاب ـ وقال : وليست لهم ـ أي الفرس ـ همّة إلّا المدائن والكوفة ، ولئن وصلوا إلى ذلك فإنّها بليّة على الإسلام وثلمة لا تسدّ أبدا ، وهذا يوم له ما بعده من الأيام ، فالله الله يا معشر المسلمين! أشيروا عليّ رحمكم الله ...
فقام طلحة والزبير وأشاروا عليه أن يعمل برأيه وما يراه ، وقام عبد الرحمن بن عوف وأشار عليه بأن يخرج بنفسه ويخرجوا معه ، وقام عثمان بن عفّان وأشار عليه بما أشار ابن عوف ، وأن يأتيه أهل الشام من شامهم ، وأهل اليمن من يمنهم ، وأهل الحرمين ، وأهل المصرين : البصرة والكوفة ، فقال عمر : هذا أيضا رأي يأخذ بالقلب ، أريد غير هذا الرأي. قال : فسكت الناس ، والتفت عمر إلى عليّ عليهالسلام فقال : يا أبا الحسن! لم لا تشير بشيء كما أشار غيرك؟!
قال : فقال عليّ : يا أمير المؤمنين! إنّك قد علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس معه ثان ، ولا له في الأرض من ناصر ، ولا له من عدوه مانع ، ثمّ لطف تبارك وتعالى بحوله وقوّته وطوله فجعل له أعوانا أعزّ بهم دينه ، وشدّ بهم أمره ، وقصم بهم كلّ جبّار عنيد ، وشيطان مريد ، وأرى مؤازريه وناصريه من الفتوح والظهور على الأعداء ما دام به سرورهم ، وقرّت به أعينهم ، وقد تكفّل الله تبارك وتعالى لأهل هذا الدين بالنصر والظفر والإعزاز ، والذي نصرهم مع نبيّهم وهم قليلون هو الذي ينصرهم اليوم إذ هم كثيرون ، وبعد .. فأبشر بنصر الله عزوجل الذي وعدك ، وكن على ثقة من ربّك ؛ فإنّه لا يخلف الميعاد ، وبعد .. فقد رأيت قوما أشاروا عليك بمشورة بعد مشورة فلم تقبل ذلك منهم ، ولم يأخذ بقلبك شيء ممّا أشاروا به عليك ، لأنّ كلّ مشير إنّما يشير بما يدركه عقله.
وأعلمك يا أمير المؤمنين إن كتبت إلى الشام أن يقبلوا إليك من شامهم لم تأمن من أن يأتي هرقل في جميع النصرانية فيغير على بلادهم ، ويهدم مساجدهم ، ويقتل رجالهم ، ويأخذ أموالهم ، ويسبي نساءهم وذرّيّتهم. وإن كتبت إلى أهل اليمن أن يقبلوا من يمنهم أغارت الحبشة أيضا على ديارهم ونسائهم وأموالهم وأولادهم ..