وإن سرت بنفسك مع أهل مكّة والمدينة إلى أهل البصرة والكوفة ثمّ قصدت بهم عدوّك انتقضت عليك الأرض من أقطارها وأطرافها ، حتّى أنّك تريد بأن يكون من خلّفته وراءك أهمّ إليك ممّا تريد أن تقصده ولا يكون للمسلمين كانفة تكنفهم ، ولا كهف يلجئون إليه ، وليس بعدك مرجع ولا موئل ؛ إذ كنت أنت الغاية والمفزع والملجأ ، فأقم بالمدينة ولا تبرحها ؛ فإنّه أهيب لك في عدوّك وأرعب لقلوبهم ، فإنّك متى غزوت الأعاجم يقول بعضهم لبعض : إن ملك العرب قد غزانا بنفسه لقلّة أتباعه وأنصاره. فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وعلى المسلمين ، فأقم بمكانك الذي أنت فيه وابعث من يكفيك هذا الأمر ، والسلام.
قال : فقال عمر : يا أبا الحسن! فما الحيلة في ذلك وقد اجتمعت الأعاجم عن بكرة أبيها بنهاوند في خمسين ومائة ألف ، يريدون استئصال المسلمين؟!
قال : فقال له عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : الحيلة أن تبعث إليهم رجلا مجرّبا ، قد عرفته بالبأس والشدّة ؛ فإنّك أبصر بجندك وأعرف برجالك ، واستعن بالله وتوكّل عليه واستنصره للمسلمين ، فإن استنصاره لهم خير من فئة عظيمة تمدّهم بها ، فإن أظفر الله المسلمين فذلك الذي تحبّ وتريد ، وإن يكن الأخرى وأعوذ بالله من ذلك أن تكون ردءا للمسلمين ، وكهفا لهم يلجئون إليه ، وفئة ينحازون إليها.
قال : فقال له عمر : نعم ما قلت يا أبا الحسن! ولكنّي أحببت أن يكون أهل البصرة وأهل الكوفة هم الّذين يتولّون هؤلاء الأعاجم ؛ فإنّهم ذاقوا حربهم وجرّبوهم ومارسوهم في غير موطن.
قال : فقال له عليّ عليهالسلام : إن أحببت ذلك فاكتب إلى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق : فرقة تقيم في ديارهم يكونوا حرسا لهم يدفعون عن حريمهم ، والفرقة الثانية في المساجد يعمرونها بالأذان والصلاة ؛ لكي لا تعطّل الصلاة ، ويأخذون الجزية من أهل العهد؛ لكي لا ينتقضوا عليك ، والفرقة الثالثة يسيرون إلى إخوانهم من أهل الكوفة ، ويصنع أهل الكوفة كصنع أهل البصرة ، ثمّ يجتمعون ويسيرون إلى عدوّهم فإنّ الله عزّ