إنّكم سترون بعدى أثره وأمورا تنكرونها. (١)
إنّ الأجواء السائدة لدى المسلمين في عهود الفتوحات الأولى ، وما كان لديهم من حماس ديني ملتهب ، ومن قوّة نظر وإشراف في مراقبة الحكم والحاكم ، بجانب عوامل أخرى ـ نتعرّض لها كلّها ـ من إعداد وصنع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كانت سبب النصر والظفر والفتوحات.
وبعبارة أخرى : الخطّة المرسومة من القرآن الكريم والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم للمسلمين ولوظيفة الحكم من بعده ، سواء على صعيد التقنين ، أو على صعيد البناء الروحي للمسلمين ، أو على صعيد البناء العسكري والقوّة الضاربة ، أو على صعيد الوحدة الاجتماعية المترابطة ، أو على صعيد بناء الدولة وأجهزة الحكم ؛ كانت تملي القيام بالجهاد وفتح البلدان. هذا كلّه بالإضافة إلى البريق النيّر الذي أوجده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الدين الإسلامي في أسماع الملل والأقوام المختلفة ، من العدالة وكرائم الخلق في القانون والتنفيذ ، ونشدة الحقّ والنصفة ..
فإنّ نظرة تحليلية في الأصول الاجتماعية والسياسية والقانونية التي كانت العرب تعيشها قبل البعثة النبويّة الشريفة مقارنة بالنظام الاجتماعي والسياسي والروحي والقانوني الذي بناه وأسّسه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذه النظرة والمقارنة كفيلة لفهم أنّ القيادة في الفتوحات بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تكن تلعب ذلك الدور الخطير المؤثّر في الوصول إلى نتائج الفتوحات ، سواء القيادة السياسية ، أو القيادة العسكرية.
ويستطيع القارئ أن يلمس ذلك من بعض النصوص التاريخية أو الروائية التي ذكرناها آنفا ، فضلا عمّا لو تتبّع واستقصى ذلك بنفسه من خلال كتب السير والتاريخ والحديث ؛ فإنّ سرّ الفوز بتلك النتائج يكمن في عظمة النظام الذي بنى صرحه النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم على الأصعدة المختلفة. وقد أشار إلى ذلك عدّة من الباحثين في حقل العلوم
__________________
(١). صحيح البخارى ٩ / ٨٤ ح ٤ كتاب الفتن ب ٢.