الذي جعل في هذه الأمّة من إذا اعوججنا أقام أودنا (١).
والحاصل : إنّ أمثلة هذا العامل كثيرة جدّا يجدها الباحث بمجرّد رجوعه إلى ذاكرته في أحداث العقود الهجرية الأولى التي تلت العهد النبوي الأوّل. نعم ، ليس المراد من وجود هذا العامل أنّه لم تكن للتكتّلات السياسية في صفوف الصحابة ـ من المهاجرين والأنصار ، وائتلاف السقيفة ، والبيت الهاشمي وأنصاره ـ أيّ دور ، إمّا في تغيير وتبديل الخطّة المرسومة من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإمّا في المحافظة على بقائها ؛ إذ الأمور نسبية ، وإنّما الغرض بيان الجانب الغالب.
* وأمّا تعيين وظيفة المسلمين والدولة من قبل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بشأن الفتوحات ؛ فقد كان إخبار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بفتح المسلمين لفارس والروم وسقوط ملك كسرى وقيصر على أيديهم ، إخبارا ملأ آذان المسلمين في مواقع عديدة أنبأ فيها بذلك ، كما في حفر الخندق في غزوة الأحزاب (٢) وغيره ، وقد كان وعدا قطعيا منه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك للمسلمين ، وهذا الوعد الصادق استيقن به المسلمون ، كما رأوا صدق الوعود منه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبل ، وكان هذا باعثا للأمل ولقوّة الروح فيهم التي لا تستجيب لليأس أو الخوف.
كما إنّ تعيين القرآن الكريم والنبيّ الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الوظيفة للمسلمين كان بيانا لمشروعية الجهاد في نفسه لدى العديد ممّن لم ير مشروعية لما نتج عن بيعة السقيفة. ولقد كان في أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في أيّامه الأخيرة ـ بتجهيز جيش أسامة ، وحثّه على إنفاذه ، ولعنه من تخلّف عنه ، دلالة على مدى العناية الشديدة التي كان يوليها صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمر الجهاد.
* وأمّا روح الفداء وطلب الشهادة والتضحية ، والتعطّش لدرجات الآخرة والرضوان ؛ فقد كانت ما تزال ملتهبة بفضل أنوار النبوّة وقرب العهد من الوحي ، ومشاهد النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم الحيّة في أذهانهم ، ووقائع الغزوات الكبرى في الإسلام ، التي
__________________
(١). مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٩٨ ح ١٠٠.
(٢). انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٩٢.