ولكن السبق والأولية في الآية غير مقيدتين بحيثية السن أو الجنس ، هذا من جانب ومن جانب آخر نرى ان استعمال القرآن الكريم للسبق هو بمعنى خاص كما تطالعنا به سورة الواقعة وهذا كديدن الاستعمال القرآني في العديد من عناوين الالفاظ كالصديقين والاصطفاء والتطهير. فالمعنى الذي في سورة الواقعة (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١) هو خصوص المقرّب وقد أكدت الآية على عنوان «السبق» بالتكرار للإشارة به ، و «المقرّب» قد أريد به معنى خاص في سورة المطففين (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢) ، فعرّف المقرّب بأنه الذي يشهد كتاب الأبرار وشهادة الاعمال من خصائص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كما ذكرت ذلك الآيات كما في سورة التوبة.
وهذا يعطينا مؤدى ان «المقرّب» ليس من درجة الأبرار من أنماط المؤمنين ، بل فوقهم شاهد لما يعملونه وشهادة الأعمال لا ريب أنّها نحو من الغيب الذي لا يطلعه الله إلّا لمن ارتضى من رسول ، فهى نحو من العلم اللدني الالهي المخصص بالمقربين ، فهم نحو من الذين اوتوا مناصب إلهية غيبية جعلها لهم. ويعطي ذلك التقسيم في سورة الواقعة لمن يحشر من البشر إلى ثلاثة أقسام : السابقون وأصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ، ولا ريب في دخول الأنبياء والرسل والأوصياء في القسم الأول وهو يقتضي عدم مشاركة غيرهم لهم في الدرجة ، فالباقون هم في القسمين الأخيرين ، فالسبق في الاستعمال القرآني هو في من حاز العصمة والطهارة الذاتية من الذنوب ، فالسبق هاهنا هو في الدرجات لا السبق الزمني ، مع أن أول السابقين زمنا في المهاجرين هو علي بن أبي طالب عليهالسلام.
ومن ذلك يظهر المراد من أوّل السابقين من الأنصار ، فإن المطهّر من الذنب من الأنصار ـ أي الذي لم يهاجر ـ هما الحسنان عليهماالسلام فانهما اللذان نزلت فيهما وفي أبويهما
__________________
(١). الواقعة / ١٠ ـ ١١.
(٢). المطففين / ١٨ ـ ٢١.