ليس بمؤمن بل ولا مسلم ، فإن الغلاة والخوارج (١) ، وإن كانا من فرق المسلمين نظرا إلى الإقرار بالشهادتين ، فهما من قبل الكافرين نظرا إلى جحودهما ما علم من الدين ، وكيف لا ومن شرائط الإسلام والإيمان القرار بالمعاد فإن منكره كافر (٢) ، وإن أقر بالشهادتين وكون الميزان الذي يوضعان فيه لا يخف مسلم ، لكن المراد إذا كانتا مقبولتين أي مخلصا بهما بشرائطهما وذلك ظاهر ويؤيده من الحديث.
أما من طرقنا فالخبر المشهور عن علي الرضا عليهالسلام ، حيث روى عن أبيه عن جده معنعنا عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، ثم سكت قليلا ، وقال : بشروطها ، وأنا من شروطها (٣). ومن طريق الجمهور ما سبق من حديث القهقري وردت بعض الصحابة (٤) ، ومن المعلوم إنهم لم ينكروا الشهادتين ولا إحداهما ، ويزيد ذلك بيانا لما رواه الشافعي ابن المغازلي ، رفعه عن ابن عباس
__________________
(١) الغلو : التشدد في الشيء ومجاوزة الحد فيه ، ومنه حديث رسول الله (ص) : إياكم والغلوّ في الدين [النهاية ٣ / ٣٨٢] ، وقد غلا جماعة في أمير المؤمنين (ع) وألّهوه.
قال ابن أبي الحديد : وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا بحلول الجوهر الالهي فيه ، وقد أخبره النبي بذلك ، فقال : يهلك فيك رجلان محب غال ومبغض قال. والخوارج : فئة خرجت على إرادة أمير المؤمنين (ع) يوم صفين (صفر عام ٣٧ ه / يوليه عام ٦٥٧ م) عند رفع المصاحف وألجأته الى التحكيم ثم كفرته فحاربها أمير المؤمنين يوم النهروان (٩ صفر ٣٨ ه / ١٧ يوليه ٦٥ م) وكان استشهاده على يد واحد منهم وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي.
(٢) أجمع المسلمون قاطبة على ضرورة المعاد من دينهم ، وهو يوم الحساب ، ولهذا يجب التصديق والاعتقاد به على الوجه الذي ذكره الأنبياء (ع) ، وهو أمر معلوم الثبوت بالضرورة من دين رسول الله (ص) وصريح القرآن دل عليه في كثير من آياته ، وضرورة العقل القاطع يقضي بلزومه لذا فإن منكره كافر بإجماع المسلمين قاطبة.
(٣) التوحيد ، ص ٢٥ ، ح ٢٣ ، ميزان الحكمة ٢ / ٩٤ ، ح ٢٥٤١.
(٤) حول ارتداد الصحابة انظر : صحيح البخاري ٢ / ١٢٢ ، صحيح مسلم في باب صلح الحديبية ج ٢ ، السيرة الحلبية ٢ / ٧٠٦ ، مسند الامام أحمد ١ / ٣٥٥ و ٥ / ١١٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٩٣ ، تاريخ ابن الأثير ٢ / ٣٢٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٩٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٦ ، فتوح البلدان ٤٣٧ ، شرح ابن أبي الحديد ٨ / ١١١.