التذنيب الثاني :
في معتقد الفرقة الناجية ، أقول وبالله التوفيق لاعتقادهم أن الله تعالى موجود واجب الوجود ، ونعني بالموجود الواجب الوجود الكائن لا عن سبق عدم ولا احتياج الى غيره في وجوده ، لا أول لوجوده ولا مبدأ ، لكونه سبق الأوقات ، كونه العدم وجوده والابتداء أزله. كامل بذاته ليس على شيء ولا في شيء ، ولا يشبهه شيء ، ولا يماثله شيء ، مع كل شيء لا يقارنه ، وغير كل شيء ، لا بمزايلة ليس في الأشياء بوالج ، ولا عنها بخارج لا يشمل بحد ولا يحسب بعدّ ، لا تجري عليه حركة ولا سكون ، ولا يدرك بنظر العيون ، لا يلحقه شيء بعد أن لم يكن عليه ، ولا يتطرق احتمال النقص إليه ، لا يحول ، ولا يزول ، ولا يحين عليه الأفول ، لا تناله الأوهام فتقدره ، ولا تتوهمه الفطن فتصوره ، ولا تدركه الحواس فتحسه ، ولا تلمسه الأيدي فتمسه ، لا يتغير بحال ، ولا يتبدل بحال ، ولا يتبدل في الأحوال ، لا تليه الليالي والأيام ، ولا يغيره الضياء والظلام ، ولا يوصف بشيء من الأجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، ولا بعرض من الأعراض ، ولا بالغيرية ولا يعاض ، ولا يقال : له حد ، ولا انقطاع ، ولا غاية ، هو كما وصف نفسه «هو الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» ، وفوق وصف كل واصف سواه ، وفهم كل فاهم ، من وصفه ما عناه ، لا يعلم حقيقته إلا هو ، ولا يعرفه بنفسه غيره.
وإنه أبدع الكائنات واخترعها على غير مثال ولا تردد فكرة وروية واحتمال ، بل أنشأها بعد أن لم تكن من غير أصول أزلية ولا أشباح أولية ، بل بعد تخلل العدم بينها وبين كونها ، أنشأها بقدرته ، وبرأها بفطرته ، فلا قديم سواه ، ولا أزلي غيره ، وانه تعالى موصوف بصفات الكمال من القدرة التي لا يشوبها عجز ، وأنها شاملة لجميع الممكنات ، والعلم الذي لا يشوبه جهل ، وإنه شامل لجميع المعقولات ، وإن قدرته وعلمه وسائر صفاته عين ذاته ، على معنى أن ذاته قامت مقام موصوف وصفه بالنسبة إلى صفاته ، فهو قدرة وعلم وقادر وعالم ، وإن علمه بجميع الأشياء علم واحد ،