إني نظرت إلى عبادي فاخترتك رسولا ونبيا ، واخترت لك علي بن أبي طالب وصيا وخليفة ، فاستمهله النبي صلىاللهعليهوآله إلى أن يصل إلى المدينة في النصب والاستخلاف ، وخلا بعلي يومه وليلته وعلّمه العلوم واستودعه الأسرار وسلّم إليه ما معه من آثار الأنبياء السالفة وأعلمه ما أتاه جبرئيل عليهالسلام وارتحل من مكة قاصدا إلى المدينة عازما على أن ينصبه إذا وصل إليها ، فلما بلغ غدير خم قبل الحجفة (١) بثلاثة أميال ، نزل عليه جبرئيل وهو على خمس ساعات من النهار بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢) فاستمهل جبرئيل إلى المدينة ، فأجابه : إن الله سبحانه وتعالى يأمرك أن تفرض ولايته في منزلك هذا قبل أن يتفرق هؤلاء إلى بلدانهم وقراهم ، فنادى النبي صلىاللهعليهوآله بالنزول ، وأمر برد من تقدم ، ونزل في غير منزل لعدم الكلأ والماء في مكان غير صالح للنزول ، ووقت غير صالح له لشدة الحر ، وأمر الرجال بنصب الأقتاب شبه المنبر ، وخطب وبالغ ونص عليه بعد أن دفع بعضده ، حتى صارت رجليه مع ركبة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وظهر بياض إبطيهما وقال في خطبته : ألست أولى بكم من أنفسكم ، قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال وهو رافع باصبع علي : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ،
__________________
(١) الجحفة بالضم ثم السكون ، والفاء : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام ان لم يمروا على المدينة ، وكان اسمها مهيعة وإنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام وهي الآن خراب ، وبينها وبين ساحل البحر نحو ثلاث مراحل ، وبينها وبين المدينة ست مراحل ، وبينها وبين غدير خم ميلان ، وقال السكري : الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة. معجم البلدان ٢ / ١١١.
(٢) سورة المائدة آية ٦٧ ، نزلت يوم ١٨ من ذي الحجة في غدير خم حينما نصب الرسول (ص) عليا (ع) علما للناس ، وخليفة من بعده ، وذلك يوم الخميس فقد نزل بها عن جبرئيل بعد مضي خمس ساعات من النهار ، فقال : يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك .. الخ ، نزول هذه الآية في يوم الغدير.