وقد بيّن أهل العلم أنّ المراد لا هجرة من مكّة.
وبيّنوا أيضاً أنّ هذا الكلام منه صلىاللهعليهوآلهوسلم يدلّ على أنّ مكّة لا تزال دار إيمان.
بخلاف مذهبكم ، فإنّكم توجبون الهجرة منها إلى بلاد الإيمان ـ بزعمكم ـ التي سمّاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلاد الفتن.
وهذا واضحٌ جليٌّ صريحٌ لمن وفّقه الله ، وترك التعصّب والتمادي على الباطل ، والله المستعان ، وعليه التكلان.
فصل
وممّا يدلّ على بطلان مذهبكم :
ما روى مسلم في (صحيحه) (١) عن سعدٍ ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، لا يدَعها أحدٌ رغبةً عنها إلّا أبدله الله فيها مَن هو خيرٌ منه ، ولا يثبت أحدٌ على لأوائها وجهدها إلّا كنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ يوم القيامة.
وروى أيضاً مسلم في (صحيحه) (٢) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحدٌ من أمّتي إلّا كنت له شفيعاً يوم القيامة.
وفي الصحيحين (٣) من حديث جابرٍ مرفوعاً : إنّما المدينة كالكير تنفي خَبَثَها ، وتُنصِّعُ طيِّبَها.
وفي (الصحيحين) (٤) أيضاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : على أنقاب المدينة ملائكةٌ ، لا
__________________
(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٦٥ ح ٤٥٩ كتاب الحج.
(٢) صحيح مسلم : ٣ / ١٧٤ ح ٤٨٤ كتاب الحج.
(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٦٦٦ ح ١٧٨٤ فضائل المدينة ، صحيح مسلم : ٣ / ١٧٥ ح ٤٨٩.
(٤) صحيح البخاري : ٢ / ٦٦٥ ح ١٧٨١ ، وصحيح مسلم : ٣ / ١٧٤ ح ٤٨٥.