فقال : الشيطان قد أيس أن يُعبد في أرضكم ، ولكن يرضى أن يُطاع فيما سوى ذلك ، فيما تحقّرون من أعمالكم ، فاحذروا أيّها الناس ، إنّي تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلّوا أبداً ، كتاب الله وسُنّة نبيّه ، انتهى.
وجه الدلالة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر في هذا الحديث الصحيح أنّ الشيطان يئس أن يُعبد في بلد مكّة ، وأكّد ذلك بقوله : (أبداً) لئلّا يتوهّم متوهّمٌ أنّه حدث ثمّ يزول.
وهذا خبرٌ منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو لا يخبر بخلاف ما يقع.
وأيضاً بُشرى منه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمّته ، وهو لا يبشّرهم إلّا بالصدق.
ولكنّه حذّرهم ما سوى عبادة الأصنام ، لا ما يحتقرون.
وهذا بيّن واضحٌ من الحديث.
وهذه الأمور التي تجعلونها الشرك الأكبر وتسمّون أهلها عُبّاد الأصنام أكثر ما تكون بمكّة المشرّفة.
وأهل مكّة المشرّفة ـ أُمراؤها ، وعلماؤها ، وعامّتها ـ على هذا من مدّة طويلة أكثر من ستمائة عامٍ.
ومع هذا هم الآن أعداؤكم ، يسبّونكم ويلعنونكم لأجل مذهبكم هذا! وأحكامهم وحُكّامهم جارية ، وعلماؤها وأمراؤها على إجراء أحكام الإسلام على أهل هذه الأمور التي تجعلونها الشرك الأكبر!
فإن كان ما زعمتم حقّاً فهم كفّار كفراً ظاهراً.
وهذه الأحاديث تردّ زعمكم ، وتبيّن بطلان مذهبكم هذا.
وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأحاديث التي في الصحيحين (١) وغيرها بعد فتح مكّة وهو بها ـ «لا هجرة بعد اليوم».
__________________
(١) صحيح البخاري : ٣ / ١٠٤٠ ح ٢٦٧٠ كتاب الجهاد ، صحيح مسلم : ٤ / ١٣٦ ح ٨٦ كتاب الإمارة.