فإنّ هذه النصوص مطلقة عامّة ، وهي بمنزلة من قال من السلف : مَن قال كذا فهو كافر.
إلى أن قال : والتكفير يكون من الوعيد ، فإنّه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن قد يكون الرجل حديثَ عهدٍ بالإسلام ، أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارضٌ آخر أوجَبَ تأويلها ـ وإن كان مخطئاً ـ.
وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين (١) في الرجل الذي قال لأهله : إذا أنا متّ فأحرقوني ـ الحديث.
فهذا رجلٌ شكّ في قدرة الله ، وفي إعادته إذا ذُري ، بل اعتقد أنّه لا يُعاد ، فغفر له بذلك.
والمتأوّل من أهل الاجتهاد ، الحريص على متابعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا ، انتهى.
وقال الشيخ رحمهالله ـ وقد سُئل عن رجلين تكلّما في مسألة التكفير ، فأجاب وأطال ، وقال في آخر الجواب ـ : لو فُرض أنّ رجلاً دفع التكفير عمن يعتقد أنّه ليس بكافرٍ ، حمايةً له ونصراً لأخيه المسلم ، لكان هذا غرضاً شرعيّاً حسناً ، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران ، وإن اجتهد فيه فاخطأ فله أجر.
وقال رحمهالله : التكفير إنّما يكون بإنكار ما عُلم من الدين بالضرورة ، أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها ، انتهى.
فانظر إلى هذا الكلام وتأمّله.
وهل هذا كقولكم : هذا كافر ، ومن لم يكفّره فهو كافر؟
وهو قال : إن دفع عنه التكفير ـ وهو مخطئٌ ـ فله أجرٌ.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٥ / ٢٣٧٨ ح ٦١١٦ كتاب الرقاق ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٢١ ح ٤٢٥٥ كتاب الزهد.