في الإخبار. واللازم باطل فكذا الملزوم.
وأجيب بأنهم داخلون في عمومات الوعد بالثواب ودخول الجنة على ما مر. والخلف في الوعد لؤم لا يليق بالكريم وفاقا (١) ، بخلاف الخلف في الوعيد ، فإنه ربما يعد كرما. والقول بالإحباط وبطلان استحقاق الثواب بالمعصية فاسد كما مر ، فكيف كان ترك عقابهم بالنار خلفا مذموما ولم يكن ترك ثوابهم بالجنة كذلك؟
والدفع بأنه لو صح أن يخلف الوعيد لصح أن يسمى مخلفا ، ليس بشيء لأن كثيرا من أفعاله بهذه الحيثية (٢). أعني لا يصح إطلاق اسم الفاعل منها عليه ، لإيهام النقص. كما أنه يتكلم بالمجاز ، ولا يسمى متجوزا. وكذا لا يسمى ماكرا ومستهزئا ، ونحو ذلك ، بل مع أنه ينجز وعد الثواب لا يسمى منجزا. نعم لزوم الكذب في إخبار الله تعالى ، مع الإجماع على بطلانه ولزوم تبديل القول مع النص الدال على انتفائه مشكل. فالجواب الحق أن من تحقق العفو في حقه يكون خارجا عن عموم اللفظ ، بمنزلة الثابت.
فإن قيل : صيغة العموم المتعرية عن دليل الخصوص تدل على إرادة كل فرد مما يتناوله اللفظ ، بمنزلة التنصيص عليه باسمه الخاص. فإخراج البعض بدليل متراخ يكون نسخا ، وهو لا يجري في الخبر للزوم الكذب. وإنما التخصيص هو الدلالة على أن المخصوص غير داخل في العموم ، ولا يكون ذلك إلا بدليل متصل.
قلنا : ممنوع ، بل إرادة الخصوص من العام ، والتقييد من المطلق شائع من غير دليل متصل. ثم دليل التخصيص والتقييد بعد ذلك ، وإن كان متراخيا بيان لا نسخ. وهذا هو المذهب عند الفقهاء الشافعية (٣) ، والقدماء من الحنفية (٤). وكانوا ينسبون
__________________
(١) في (ب) اتفاقا بدلا من (وفاقا).
(٢) في (ب) بهذه (الصفة) بدلا من (الحيثية).
(٣) أصحاب محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنه وقد سبق الحديث عنهم في كلمة مستفيضة في الجزء الأول.
(٤) أصحاب النعمان بن ثابت صاحب مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي.