الإسلام لا تخفى. منها مقال (١) الفلاسفة في المعاد ومجال الملاحدة في العناد. وهاهنا بطلان ما وقع عليه الإجماع من القطع بخلود الكفار في النار. فإن غاية الأمر شهادة النصوص القاطعة بذلك. وإذا جاز الخلف ، لم يبق القطع إلا عند شرذمة لا يجوزون العفو عنهم في الحكمة على ما يشعر قوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢)
وغير ذلك من الآيات. ووجه التفرقة أن العاصي قلما يخلو عن خوف عقاب ، ورجاء رحمة ، وغير ذلك من خيرات تقابل ما ارتكب من المعصية اتباعا للهوى ، بخلاف الكافر. وأيضا الكفر مذهب ، والمذهب يعتقد للأبد ، وحرمته لا تحتمل الارتفاع أصلا. فكذلك عقوبته ، بخلاف المعصية ، فإنها لوقت الهوى والشهوة ، وأما من جوز العفو عقلا ، والكذب في الوعيد ، إما قولا لجواز الكذب المتضمن لفعل الحسن ، أو بأنه لا كذب بالنسبة إلى المستقبل (٣) ، فمع صريح إخبار الله تعالى بأنه لا يعفو عن الكافر ، ويخلده في النار. فجواز الخلف ، وعدم وقوع مضمون هذا الخبر محتمل. ولما كان هذا باطلا ، علم أن القول بجواز الكذب في إخبار الله تعالى باطل قطعا.
قال : خاتمة ـ قد اشتهر
(من المعتزلة أن الفاسق مخلد ، وإن عدم القطع بعقابه إرجاء. لكن ينبغي أن يكون هذا مذهب البعض ، إذ المختار عند الأكثرين هو أن الكبائر إنما تسقط الطاعات إذا زاد عقابها على ثوابها. وذلك في علم الله. واضطربوا فيما إذا تساويا ، وصرحوا بجواز العفو عقلا وشرعا عند البصرية ، وبعض البغدادية (٤) ، وعقلا عند غير الكعبي)
من مذهب المعتزلة أن صاحب (٥) الكبيرة ـ بدون التوبة ـ مخلد في النار وإن
__________________
(١) في (ب) أقوال بدلا من (مقال).
(٢) سورة القلم آية رقم ٣٥.
(٣) في (ب) بزيادة لفظ (والحال).
(٤) في (أ) الغدادية وهو تحريف.
(٥) في (ب) مرتكب بدلا من (صاحب).