يخطر بالبال لذهول أو جنون أو موت ، ونحو ذلك. وقد لا يقتدر عليه لعارض آفة ، كخرس في القذف ، وشلل أوجب في الزنا ، فلا يتصور العزم على الترك لما فيه من الإشعار بالقدر والاختيار. فأجيب بأن المراد العزم على الترك على تقدير الخطور والاقتدار ، حتى لو سلب القدرة لم يشترط العزم على الترك. بهذا يشعر كلام إمام الحرمين حيث قال : إن العزم على ترك المعاودة إنما يقارن التوبة في بعض الأحوال ، ولا يطرد في كل حال ، إذ العزم إنما يصح فيمن يتمكن من مثل ما قدمه. ولا يصح من المجبوب العزم على ترك الزنا ، ولا من الأخرس العزم على ترك القذف. فما ذكر في المواقف (١) من أن قولنا : «إذا قدر» لأن من سلب القدرة على الزنا ، وانقطع طمعه عن عود القوة إذا عزم على تركه ، لم يكن ذلك توبة منه ، ليس على ما ينبغي لإشعاره بأن العزم على الترك يصح مع عدم القدرة على الفعل. وبأن الندم على الفعل مع العزم على الترك لا يكفي في التوبة ، لكن لا بد من أمر ثالث هو بقاء القدرة. وكلام الإمام وغيره أن عند عدم القدرة لا يشترط في التوبة العزم ، بل لا يصح. ويكفي مجرد الندم. لا يقال : مراد المواقف أن مجرد هذا العزم بدون الندم ليس بتوبة ، لأنا نقول : هذا لغو (٢) من الكلام ، لا بيان لفائدة التقييد بالقدرة. وقد يتوهم أن تقديره القدرة قيد للترك ، لا للعزم. أي يجب العزم على أن لا يفعل على تقدير القدرة حتى يجب على من عرض له الآفة أن يعزم على أن لا يفعل لو فرض وجود القدرة. بهذا يشعر ما قال في المواقف أن الزاني المجبوب إذا ندم وعزم على أن لا يعود على تقدير القدرة ، فهو توبة عندنا ، خلافا لأبي هاشم. ثم التحقيق أن ذكر العزم إنما هو للتقدير والبيان ، لا التقييد والاحتراز. إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخرج
__________________
(١) هو كتاب مكون من ثمانية أجزاء في أربعة مجلدات طبع قديما وعليه بعض الحواشي ويعتبر من أهم المراجع في علم الكلام للأشاعرة وصاحبه عضد الدين الايجي يسمى : عبد الرحمن بن أحمد توفي عام ٧٥٦ ه.
(٢) اللغو : الباطل ، وهو يشتمل الشرك كما قاله بعضهم ، والمعاصي كما قاله آخرون ، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ). سورة المؤمنون آية رقم ٣ وقال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً). سورة الفرقان آية رقم ٧٢.