ما علم قطعا من الدين أنه على ظاهره ، فتأويله تكذيب للنبي ، بخلاف البعض. ثم لا يخفى أن المراد التكذيب ، أو عدم التصديق من المكلف ، ليخرج الصبي العاقل الذي لم يصدق ، أو صرح بالتكذيب وأما عند القائلين بصحة إيمانه ، وبأنه يكفر بصريح التكذيب وإن لم يكفر بترك التصديق ، فالمراد التكذيب ممن يصح منه الإيمان وعدم التصديق ممن يجب عليه الإيمان.
وقال القاضي : الكفر هو الجحد بالله ، وربما يفسر الجحد بالجهل. واعترض بعدم انعكاسه. فإن كثيرا من الكفرة عارفون بالله تعالى ، مصدقون به (١) غير جاحدين. وإن أريد الجحد أو الجهل أعم من أن يكون بوجوده أو وحدانيته ، أو شيء من صفاته وأفعاله وأحكامه ، لزم تكفير كثير من أهل الإسلام المخالفين في الأصول لأن الحق واحد وفاقا. وأجيب بأن المراد الجحد به في شيء مما علم قطعا أنه من أحكامه أو الجهل بذلك إجمالا وتفصيلا وحينئذ يطرد وينعكس. بل ربما يكون أحسن من التعريف بتكذيب النبي (عليهالسلام) أو عدم تصديقه ، لشموله الكفر بالله ، من غير توسط النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) ككفر إبليس.
وقالت المعتزلة : هو ارتكاب قبيح ، أو إخلال بواجب يستحق به أعظم العقاب. ولا خفاء في أن هذا من أحكام الكفر ، لا ذاتياته ، ولا لوازمه البينة التي ينتقل الذهن منها إليه ، ومع هذا فإن أريد أعظم العقاب على الإطلاق ، لم يصدق إلا على ما هو أشد أنواع الكفر وإن أريد أعظم بالنسبة إلى ما دونه. صدق على كثير من المعاصي ، وإن اريد بالنسبة إلى الفسق (٢) وقد فسروا الفسق بما يستحق به عقوبة دون عقوبة الكفر ـ فدور. أو بالخروج من طاعة الله بكبيرة ـ ومن الكبائر ما هو كفر ـ فلا يتناوله التعريف. وإن قيد الكبيرة بغير الكفر ، عاد الدور.
وبالجملة لا خفاء في اختلال هذا التعريف وخفائه. وما قيل : إن الكفر عند كل طائفة مقابل لما فسروا به الإيمان ، ولا يستقيم على القول بالمنزلة بين المنزلتين أصلا ، ولا على قول السلف ظاهرا.
__________________
(١) قال تعالى على لسانهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
(٢) فسقت : الرطبة خرجت عن قشرها وفسق عن أمر ربه أي خرج قال ابن الأعرابي : لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم (فاسق) قال : وهذا عجب وهو كلام عربي.