للجهاد ، وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام ، وحماية بيضة الإسلام ، مما لا يتم إلا بالإمام ، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا فهو واجب ، على ما مر في صدر الكتاب. لا يقال : الأمر بإقامة الحدود كقطع السارق مثلا إن كان مشروطا بوجود الإمام ، لم يكن مطلقا فلم يستلزم وجوبه ، كالأمر بالزكاة بالنسبة إلى تحصيل النصاب. وإن لم يكن مشروطا به فظاهر ، لأنا نقول : فرق بين تقيد الوجوب ، وتقيد الواجب ، فههنا الوجوب مطلق ، أي لم يقيد ولم يشترط بوجود الإمام ، والواجب ـ أعني المأمور به ـ مشروط به وموقوف عليه. كوجوب الصلاة المشروطة بالطهارة.
وأما في الزكاة فالوجوب مشروط بحصول النصاب ، حتى إذا انتفى ، فلا وجوب.
الثالث ـ أن في نصب الإمام استجلاب منافع لا تحصى ، واستدفاع مضار لا يخفى ، وكل ما هو كذلك فهو واجب ، أما الصغرى فيكاد يلحق بالضروريات بل المشاهدات ، ويعد من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان. ولهذا اشتهر أن ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن (١) وما يلتئم باللسان لا ينتظم بالبرهان .. وذلك لأن الاجتماع المؤدي إلى صلاح المعاش والمعاد لا يتم بدون سلطان قاهر يدرأ المفاسد ويحفظ المصالح ويمنع ما يتسارع إليه الطباع ويتنازع عليه الأطماع. وكفاك شاهدا ما يشاهد من استيلاء الفتن والابتلاء بالمحن لمجرد هلاك من يقوم بحماية الحوزة ورعاية البيضة ، وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد ، ولم يخل عن شائبة شر وفساد ، ولهذا لا ينتظم أمر أدنى اجتماع كرفقة طريق بدون رئيس يصدرون عن رأيه ، ومقتضى أمره ونهيه. بل ربما يجري مثل هذا فيما بين الحيوانات العجم ، كالنحل لها عظيم يقوم مقام الرئيس ينتظم أمرها به ما دام فيها ، وإذا هلك انتشرت الأفراد انتشار الجراد ، وشاع فيما بينها الهلاك والفساد ، لا يقال :
__________________
(١) نعتقد ـ والله أعلم ـ أن هذا من كلام بعض الصحابة أو التابعين ، وهذه كلمة حق ، فالسلطان هو الذي ينفذ الأحكام على هؤلاء المخالفين شرع الله ، والله يعلم أن اللسان ببيانه والعقل بأحكامه لا يغنيان عن الحق شيئا إذا ما عميت النفس ، وانطمس الحس ، وعميت البصيرة ، ولهذا جعل من السلطان والقوة ما يرد بهما هؤلاء الشاردين إلى جادة الصواب. والله أعلم.