والجواب أن غير المعصوم أي من ليس له ملكة العصمة لا يلزم أن يكون عاصيا بالفعل ، فضلا ان يكون ظالما ، فإن المعصية أعم من الظلم وليس كل عاص ظالما على الإطلاق ولو سلم فدلالة الآية على صدق الكبرى لا يتم لجواز أن يكون المراد عهد النبوة والرسالة على ما هو رأي اكثر المفسرين ، نعم لا يبعد إثباته بالإجماع وفيه ما مرّ.
الرابع ـ أن الأمة إنما يحتاجون إلى الإمام لجواز الخطأ عليهم في العلم والعمل. ولذلك يكون الإمام لطفا لهم. فلو جاز الخطأ على الإمام لوجب له إمام آخر ويتسلسل (١). وشبه ذلك بانتهاء سلسلة الممكنات إلى الواجب لئلا يلزم التسلسل.
والجواب أن وجوب الإمام شرعي بمعنى أنه أوجب علينا نصبه ، لا عقلي مبني على جواز الخطأ على الأمة كما زعمتم ، لأن في الشريعة القائمة إلى القيامة غنية عنه لو لا إيجاب الشارع والضرر المظنون من عدمه يندفع بعلمه ، واجتهاده ، وظاهر عدالته ، وحسن اعتقاده ، وإن لم يكن معصوما. ألا يرى ان الخطأ جائز على المعصوم أيضا لما عرفت من أن العصمة لا تزيل المحنة ، وإن لم يندفع بذلك فكفى بخير الأمم وعلماء الشرع مانعا دافعا.
الخامس ـ أنه حافظ للشريعة. فلو جاز الخطأ عليه لكان ناقضا لها حافظا فيعود على موضوعه بالنقض.
والجواب أنه ليس حافظا لها بذاته. بل بالكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، واجتهاده الصحيح. فإن اخطأ في اجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردون ، والآمرون بالمعروف يصدون ، وإن لم يفعلوا أيضا ، فلا نقض (٢) للشريعة
__________________
(١) التسلسل : هو ترتيب أمور غير متناهية ، وأقسامه أربعة لأنه لا يخفى إما أن يكون في الآحاد المجتمعة في الوجود ، أو لم يكن فيها كالتسلسل في الحوادث.
(٢) النقض لغة : الكسر ، وفي الاصطلاح هو بيان تخلف الحكم المدعي بثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض من الصور فإن وقع بمنع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال سمي نقضا إجماليا لأن حاصله يرجع إلى منع شيء من مقدمات الدليل على الإجمال ، وإن وقع بالمنع المجرد ، أو مع السند سمي نقضا تفصيليا لأنه منع مقدمة معينة. وقيل النقض : وجود العلة بلا حكم.