أبا علىٍّ الحَسنَ بنَ أحمدَ بنِ عبدِ الغَفَّارِ بِن سُليمانَ الفارسىَّ النحوىَّ قال هى من عند اللهِ واحْتَجَّ بقولِه سبحانه (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وهذا ليس باحْتجاجٍ قاطعٍ وذلك أنه قد يجوزُ أن يكونَ تأويلُه أَقْدَرَ آدمَ على أنْ واضَعَ عليها وهذا المعنى من عندِ اللهِ سبحانه لا مَحالةَ فاذا كان ذلك مُحْتَملاً غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ سَقَطَ الاستدلالُ به وعلى أنه قد فُسِّرَ هذا بأَنْ قِيل ان اللهَ عزوجل علَّم آدمَ أسماءَ جَميعِ المخلوقاتِ بجميعِ اللغاتِ العربية والفارسيةِ والسُّريانيةِ والعِبْرانيَّةِ والرُّوميةِ وغيرِ ذلك من سائِر اللغاتِ فكانَ آدمُ صلى الله عليه ووَلَدُه يتكلمون بها ثم انّ وَلَدَه تَفَرّقُوا فى الدنيا وعَلِقَ كُلُّ واحدٍ منهم بِلُغةٍ من تلك اللغاتِ فَغَلَبَتْ عليه واضْمَحَلَّ عنه ما سِواها لبُعْدِهم بها واذا كانَ الخَبَرُ الصحيحُ قد وَرَدَ بهذا فقد وجبَ تَلَقِّيهِ باعْتِقادِه والانْطِواءِ على القولِ به.
فان قيلَ فاللغةُ فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروفٌ وليس بَجُوزُ أن يكونَ المُعَلَّمُ من ذلك الاسماءَ دُونَ هذينِ النوعينِ الباقِيَيْنِ فكيف خَصَّ الاسماءَ وحدَها قيل اعْتَمدَ ذلك من حَيْثُ كانت الاسماءُ أقوى الانواعِ الثلاثةِ ألَا تَرَى أنه لا بُدَّ لكلِّ كلامٍ مُفِيدٍ من الاسمِ وقد تَسْتَغْنِى الجملةُ المُستقِلَّةُ عن كلِّ واحدٍ من الفعلِ والحرفِ فلما كانت الأسماءُ من القُوّةِ والأَوّلِيَّةِ فى النفسِ والرُّتْبةِ بحيثُ لا خَفاءَ به جاز أن تَكْتَفِىَ بها مما هُوَ تالٍ لها ومَحْمُولٌ فى الاحتياجِ اليه عليها وهذا كقولِ المَخْزُومِىِ
اللهُ يَعْلَمُ ما تَرَكْتُ قِتالَهُمْ |
|
حتَّى عَلَوْا فَرسِى بأَشْقَرَ مُزْبِدِ |
أى واذا كان اللهُ يعلمه فلا أُبالى بغَيْرِه أذَكَرْتُه واسْتَشْهَدْتُه أم لم أذْكُرْه ولم أسْتَشْهِدْ به ولا نُريدُ بذلك أنّ هذا أَمْرٌ خفىٌّ فلا يَعْلَمُه الا اللهُ عزَّ وجَلَّ وَحْدَه بل انما نُحِيلُ فيه على أمرٍ واضِحٍ وحال مشهورةٍ حينئذٍ مُتَعالَمةٍ وانما الغَرَضُ فى مثْلِ هذا عُمومُ معرفةِ الناسِ لِفُشُوِّهِ وكَثْرةِ جَريانِهِ على أَلْسِنَتِهم
وأما الذينَ قالوا ان اللغةَ لا تكُونُ وَحْياً فانهم ذَهَبُوا الى أنّ أصلَ اللغةِ لا بُدَّ فيهِ من المُواضَعةِ وذلك أنه كانَ يَجْتَمِعُ حكِيمانِ أو ثلاثةٌ فصاعِداً يُريدُونَ أن يُبَيِّنُوا الاشْياءَ المَعْلُوماتِ فيَضَعُوا لِكلّ واحدٍ منها سِمةً ولَفْظًا اذا ذُكِرَ عُرِفَ به ما مُسَمَّاهُ لِيَمْتازَ به مِن غيرِه ولِيُغْنَى بذكرِه عن إحْضارِه واظهارِه الى مَرْآةِ العَيْنِ فيكونَ ذلك أسهلَ من احْضارِه لبلوغ الغَرضِ فى إبانةِ حالهِ بل قد نَحْتاجُ فى كثيرٍ من الاحوالِ الى ذِكْرِ ما لا يُمْكِنُ احْضارُه ولا إدْناؤُه كالفانِى وحالِ