أصل
إنّ من الأشياء ما يكون له جميع هذه الأسباب ، كالإنسان ، ومنها ما ليس له إلّا الفاعل والغاية ، كالعقل ، ومنها ما له الفاعل والغاية والصورة ، وليس له مادّة ، كالصورة الخيالية ؛ وذلك لأنّ الصورة كما تحصل من الفاعل بحسب استعداد المادّة ، كذلك قد تحصل منه من غير مشاركة المادّة ، بل على سبيل الإبداع ، يوجبها تصوّر الفاعل من غير مادّة قبل وجودها.
ومن هذا القبيل الصور الخيالية الصادرة عن النفس ، كما يأتي بيانه ، وما تجتمع فيه الأسباب تكون علّة قوامه ، غير علّة وجوده ، أعني سببه المقارن غير سببه المفارق ، وما لم يكن له إلّا الفاعل والغاية كان ما هو ، ولم هو فيه ، شيئا واحدا.
أصل
الفاعل قد يكون بالقوة ، كما هو قبل الشروع ، وقد يكون بالفعل ، كما هو بعده ، وقد يكون كليا كمطلقه ، وجزئيا كمحسوسه ، عامّا كما قيل : النجار علّة للسرير ، أو خاصا كما قيل : هذا النجار قد صنعه.
وقد يكون قريبا كالعفونة للحمّى ، وبعيدا كالاحتقان مع الامتلاء لها ، وقد يكون بالذات كالطبيب للعلاج ، وقد يكون بالعرض إمّا لأنّه مصحوب بما هو فاعل حقيقة ، كما يقال : الكاتب يعالج ، فإنّ المعالج بالذات هو من حيث إنّه طبيب ، وإما لأنّ معلوله بالذات أمر آخر يلزمه شيء نسب إلى ذلك الفاعل