أصل
لا بدّ في الحركة ـ في أي مقولة وقعت ـ أن يكون الموضوع فيها ثابتا ، لوجوده وتشخصه ، وتتبدل عليه أفراد تلك المقولة بحيث يكون له في كلّ آن فرض من آنات زمان تلك الحركة فرد من تلك المقولة ، يخالف الفرد الّذي يكون له في آن آخر مخالفة نوعية ، أو صنفية ، إلّا أنّه يكفي في بقاء الموضوع انحفاظ وحدته الشخصية بوحدة عقلية فاعلية نورية، كالعقل المدبّر المعتني بكلاية الشخص ، وحفظه في مراتب التطورات والتقلّبات في النشآت ، أو بوحدة إبهامية قابلية ، كوحدة المادّة الأولى ، فإنّه يكفي في تشخّصها وجود صورة ما ، وكيفية ما ، وكمّية ما ، وأين ما ، إلى غير ذلك من الأعراض ، ويجوز التبدّل له في خصوصيّات كلّ منها ، فهذه الأفراد الغير المتناهية إنّما توجد بوجود واحد اتصالي ، له حدود غير متناهية بالقوة ، بحسب حدود مفروضة فيه ، ففيه وجود أنواع بلا نهاية ، بالقوة لا بالفعل ، وبالمعنى لا بالوجود.
وهذا الوجود الواحد المتّصل مع وحدته وتشخّصه ؛ حيث إنّ الوجود إنّما يتشخّص بذاته يندرج تحت أنواع كثيرة ، وتتبدل عليه معان ذاتية ، وفصول منطقية ، حسب تبدّله في شؤونه وأطواره ، فهو مع وحدته واستمراره بعينه وجود متجدد ، ينقسم إلى سابق ولاحق ، وناقص وكامل ، وله بعينه أبعاض وأفراد ، بعضها زائل ، وبعضها حادث ، وبعضها آت ، ولكلّ من أبعاضه المتصلة حدوث في وقت معين ، وعدم في غير ذلك ، قبله وبعده.
فما أعجب حال مثل هذا الوجود ، وتجدده في كلّ حين ، كذا أفاد أستاذنا ، دام ظلّه.