وصل
وهذه النشآت الثلاث متطابقة ، مترتبة في الصدور ، بمعنى أن كلّ موجود في هذه النشأة الدنيا من الجواهر والأعراض حتّى الحركات والسكنات والهيئات والطعوم والروائح ، فله صورة في النشأة الوسطى ، متقدّمة عليه في الوجود ، وله حقيقة في النشأة العليا ، متقدّمة على كلتيهما ، بل كلّ ما في هذا العالم الأدنى من الذوات والهيئات والنسب والأشكال والترتيبات الجسمانية والنفسانية ظلال ورسوم وتمثالات لما في العالم الأعلى من الذوات الروحانية ، والهيئات العقلية ، والنسب المعنوية ، إنّما تنزّلت وتكدّرت وتجرّبت بعد ما كانت نقية صافية مقدّسة عن النقص والشين ، مجرّدة عن الكدورة والرين ، متعالية عن الآفة والقصور ، منزّهة عن الهلاك والدثور.
ولكلّ من الثلاث طبقات متفاوتة ، مترتبة ، فالإنسان العقلي إنّما يفيض ـ مثلا ـ بنوره على هذا الإنسان السفلي بوسائط مترتبة في العوالم العقلية والمثالية ، كلّها أناس متفاوتو المراتب والنشآت.
وكذلك بين النار العقلية والنار السفلية نيرانات مترتبة ، ولهذا ورد في الحديث : «أنّ هذه النار غسلت بسبعين ماء ، ثمّ أنزلت» (١) ، إشارة إلى تنزّل مرتبتها عن كمال حقيقتها النارية ، وتضعّف تأثيرها وتنقّص جوهرها على حسب كلّ نزول.
__________________
(١) ـ ورد مضمونه في مسند زيد بن علي : ٤١٦.