وصل
فهذه هي صفات النشآت الثلاث ، وبيان ماهياتها ، وأمّا إنّياتها والبرهان على وجودها فنحن الآن بصدد ذلك ، فنقول :
أما النشأة الدنيا فلا يفتقر إثباتها إلى بيان وبرهان ؛ لأنها محسوسة مشاهدة ، ويأتي ذكر تفاصيل ما فيها ، وبيان ذلك في المقصد الثاني ، إن شاء الله.
وأمّا الباقيتان ، فالبرهان على وجودهما من وجوه :
منها : ما مضى ذكره : من إثبات حقيقة عقلية ثابتة لكلّ طبيعة جوهرية متجدّدة ، وإثبات أجسام مثالية غير مادية ، قائمة لا في محلّ.
ومنها : ما يأتي في تضاعيف ما سنتلو عليك من المباحث الآتية.
ومنها : قاعدة الإمكان الأشرف ، وقد مضى برهانها ، وتقريره هاهنا ، على ما استفدناه من الأستاذ ـ دام ظلّه ـ في النشأة العقلية ، وأجريناه في المثالية ـ أيضا ـ : أنّ النشأة الجسمانية موجودة ، كما دلّت عليه المشاهدة ، والباقيتان أشرف منها ، وأبعد عن علائق الظلمات ، كما هو ظاهر ، وهما ممكنتان ، فهما ـ إذن ـ موجودتان قبلها ، بناء على القاعدة ، وإنما قلنا : إنهما ممكنتان ؛ لأنّ كلّ ما له وجود في عالم الحسّ فله ماهية موجودة في الذهن ، يعرض لها إمكان ، فالماهية إمكانية ، فالمانع لها عن الوجود العقلي والمثالي إن كانت عقلية أو مثالية ، ففي الذهن أيضا لها وجود عقلي ومثالي ، وإن كان قيامها بالذات وقيام أشخاص نوعها بالمادّة ، فقد تبيّن أن الوجود ممّا يجوز في أفراد نوع واحد منه الاختلاف بالحلول وعدمه ، مع أن هذا منقوض بوجودها الذهني ؛ إذ لا مادّة في