وعن ابن عباس : أن النار تحت أبحر مطبقة.
إلى غير ذلك من الأخبار والآثار ، وقد ذكرنا شطرا منها في كتاب علم اليقين.
ثم قال : والجواب عن هذه الوجوه والدلائل كلها : أنّ لكلّ من الجنة والنار نشأة أصلية هي في عالم الآخرة ، ونشأة جزئية ، ومظاهر كونية في الدنيا ، ومستقر النار وحقيقتها هي دار البوار ، ولها مظاهر ومكامن في هذا العالم ، فما ذكر من الوجوه العقلية لا تدلّ على أكثر من أن لها كينونة جزئية ، وظهورا خاصا في هذا العالم.
وكذا ما نقل من الأخبار لا يدلّ على أزيد من أن لها مظاهر في هذا العالم.
وأمّا النار الحقيقية فمحلّ اشتعالها وبروزها بحيث لا تكمن على الخلائق كلهم ، وظهور سلطانها هي الدار الآخرة ، حينما أحاط بهم سرادقها ، كما قال تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (١) ، وقال تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٢) ، فهي الآن كامنة باطنة ، غير بارزة ، ولا ظاهرة ، إلّا على أهل الكشف واليقين.
وهذا المحسوس من النار غير محرق حقيقة ، والّذي يباشر الإحراق والتفريق حقا وحقيقة هي نار إلهية مستورة عن هذه الحواس ، خارجة عن الفكر والقياس ، لكنها مرتبطة بهذا المحسوس ارتباطا ، ومحل ناريّتها الحقيقية دار البوار ، لا دار الوجود.
__________________
(١) ـ سورة النازعات ، الآية ٣٦.
(٢) ـ سورة التكاثر ، الآية ٥ ـ ٧.